بــــشــــــارة شـــــــــهـــــــــــيــــــــــد
قصة حقيقية عن احد ابطال
الدفاع الجوى المصريين .....بشر بالشهادة من قبل مولده .....صاحب اول صاروخ دفاع
جوى فى حرب اكتوبر .....كتيبته اسقطت عشر عدد طائرات العدو ....صاحب
البشارات.....انه المقدم الشهيد احمد حسن بقلم : د. احمد مختار حامد أبودهب
_____________________________________________
"أحمد.................
أحمد!!!!!!"
ابتسم "المقدم /
خالد" لتلك الالتفاتة مزدوجة من ابنه و ابن
اخته حين كان يعنى ولده بالنداء, بينما كانوا يجلسون سويا فى جلسة عائلية بمنزل
المقدم خالد يتابعون اخر اخبار مصر فى هذه المرحلة الفاصلة من تاريخها الحديث
........ يتناقشون.....من سيكون الرئيس؟؟! , ابتسمت على تلك الالتفاتة المزدوجة
شقيقته الكبرى السيده "نهلة" قائلة : ده لو انت ندهت
على احمد وسط العيلة , هيرد عليك نصها !!!! ابتسم "المقدم خالد" على
دعابة شقيقته الحقيقية .....حيث كان اغلب افراد العائلة يتسابقون فى تسمية ابناءهم
بهذا الاسم ......"أحمد" .
دار بصره بين الحضور الى
ان تعلق بابنته الرقيقة "مريـــم" الجالسة الى جوار اخاها
"شريف", كانت تشبه صورة جدها بشكل عجيب .....فلم تكن ذاكرته
تحمل لذاك الوالد العظيم من ذكريات سوى صوره التى ملأت اركان منازلهم , و كان
اجملها و هو مرتديا زيه العسكرى المهيب .
اخذ عقله يجول بين
اسم احمد و ملامح مريم ......., كانما اشتاق الى صاحب هذا الاسم المحبب الى
قلبه ....... والده ......... الشهيد ........... صاحب البشـــــــــــارة !!!!
" الله اكبر الله اكبر لا الــــــــــه
الا الله "
استيقظت السيدة
"أمينة" زوجة الشيخ" حسن " من نومها على تكبيرات اذان الفجر
متعجبة من تلك الرؤيا التى رأتها , فلقد اوت الى فراشها مبكرا هذه الليلة منهكة من
ثقل حملها بعدما فرغت من اعمالها المنزلية . " 13 نجمة
ســـــجـــــدت بين السماء و الارض للرسول صلى الله عليه و سلم !!!!؟"
كرر الشيخ حسن عبارة زوجته متعجبا من تلك الرؤيا , اطرق قليلا ثم قال لها : انتى
صليتى الفجر طبعا ؟ قالت الزوجة فى سرعة : طبعا يا شيخ حسن الحمد لله , بعد ما انت
طلعت عالجامع على طول !!! ظهرت ملامح الارتياح على وجه الشيخ حسن , و اللذى تخوف
ان تكون زوجته قد الهتها رؤياها العجيبة, او اثقلها تعب حملها الأول عن الصلاة.
توجه الى غرفته التى خصصها للقراءة و الاطلاع من بين غرفات منزله , حيث امتلات هذه
الغرفة بعشرات بل بمئات الكتب الدينية و امهات الكتب , , و عكف يقرأ و يفكر
......... و ما لبث ان انسابت من عينيه دمعتان حملتا مزيجا من كبير الفرحة و بعض
الحزن ......... فرحة البشارة , و حزن رهبة الفراق , و لكنه سرعان ما استدرك , و
فيما الفراق ما دام الملتقى هناك !!! " الجنين اللى فى بطنك ده ...........
هيموت شهيد !!!!" نطق الشيخ حسن جملته بصوت عميق و قوى و ثابت , و بطريقة
الواثق من الهامات ربه , ظهرت ملامح الدهشة و الخوف على وجه زوجته , و التى همت ان
تقول شيئا و لكنها سكتت .......... قد تكون سكتت لانها تثق فى ايمان زوجها المشهود
له بالصلاح ...... او ربما سكتت لان ما قيل لم يكن ليقال وراءه شىء
............. فما قيل..... كان البشـــــــــارة .......... احدى بشارات
الشهيد !!!!!
توجه الشيخ حسن مع اشراقة
يوم الاول من اكتوبر من عام 1939 الى مكتب صحة "ههيا " بمركز الزقازيق
ليسجل مولوده الاول , اللذى ولد مع اذان الفجر .............. و فى اكتوبر , حيث
سيكون لاكتوبر معه شأن عظيم "مبروك يا شيخ حسن .....هتسميه ايه ان شاء الله
", القى موظف المكتب سؤاله على مسامع الشيخ فى بهجة , رد الشيخ حسن بصوت خاشع
و بوجه طلق يملأه الايمان و تظهر عليه علامات الشكر العميق لربه : إنى سميته
أحمد . استعار فى كلماته قول والدة السيدة مريم – عليها السلام , و لكن سرعان ما
قال فى نفسه ............ نعم أحمد ........... الشهيد / أحمد حسن ......فلقد تذكر
البشـــــــــارة !!!!
-" انتو عارفين ........انا و الحمد لله مش بخاف من حاجة " قالها الطفل/
احمد حسن -ان ذاك - و هو يلهو مع اقرانه من ابناء قريته فى هذا الفناء
الخالى الى جوار الحقول الواسعة التى انعكس عليها ضوء القمر ضعيفا فى هذه الليلة
الصيفية قرب نهاية الشهر العربى , الا انه استدرك مسرعا بل و خائفا :
- " الا من ربنا سبحانه و تعالى طبعا ......ابويا علمنى ان
الانسان ما يخفش غير من اللى خلقه " قال احد اقرانه متحزلقا : و لا من
المـــــــــوت؟؟ ضحك الصغير احمد : لو كنت عملت حاجات وحشة ......تبقى تخاف من
الموت. فاضاف صبى اخر : امى بتقولى ان المدافن مليانة عفاريت .....طبعا انت
بتخاف منها !!!.؟ و ظهرت على الطفل المسكين علامات الخوف و كأن الاشباح تحيط
به أو كانها ستنبت من بين الزروع الخضراء المحيطة بهم. -" تحبوا اروح لكم
المدافن دلوقتى ؟؟؟" نطق أحمد كلماته بثقة و تحدى جعلت اصحابه يجيبون بدهشة
عارمة : "دلوقتى؟؟" , فلقد كان الليل اوشك ان ينتصف . و على ذلك
كان الرهان ............. رهان طفل لا يخاف الموت .....و جنين صاحب
بشــــــــــارة ........... بشارة شهيد !!!!!
قبيل صلاة الفجر.....تسلل
"احمد" خارجا من المنزل , إنطلق وسط الظلام الدامس اللذى لم يشقه سوى
بصيص من ضوء القمر القريب من طور المحاق , شق طريقه وسط القبور بثقة عجيبه لم يكون
يخالط نفسه شىء عدا رهبة المكان واحترام حرمة سكانه.....وصل الى القبر
المنشود ......و وضع عليه الخاتم اللذى اعطاه له احد اقرانه ليكون امارة على وصوله
الى قلب المكان ............ مكان الموت !!!
" يا لهوى ..........
هو وصل هنا ازاى!!!!؟" " ده احنا مستخبيين و بنبص على المكان من الفجر و
هو محدش شافه , يبقى راح فى عز الليل !!! " دار الحديث بين الصبية
الخارجين من المدافن مع شروق الشمس , و اللذين رأوا صديقهم ينتظرهم بالخارج قائلا
بثقة و فخر : - مش قولت لكم مش بخاف غير من ربنا !!!!!
" احمد
................ أحمد!!!!" جاء صوت والده الشيخ حسن من خلفه غاضبا , قائلا
له : - كنت فين ......طلعت ليه فى عز العتمة قبل صلاة الفجر , و ما رجعتش ليه بعد
الصلا زى كل يوم ؟!!!!
اطرق احمد فى احترام لوالده
, و خجل من غضب والده منه , ثم تابع الاب فى حماسة قائلا:
- انت ناسى اننا النهارده
رايحيين نتبرع لاخواننا فى غزة فى قطار الرحمة ؟ تهللت اسارير الفتى و فرح بشدة من
جملة ابيه الاخيره .....فقد كان يحب تلك الرحلة الخيرية التى يصطحبه فيها والده
للتبرع لاهل غزة بالاقمشة و الاطعمة المختلفة بكميات كبيرة فى ذلك القطار اللذى
يحمل معونات لفلسطين فى نهاية الاربعينيات "قطار الرحمة" . ,ازالت تلك
البشرى بالرحلة المحببة الى نفس الصبى اثار تعنيفه الغـــير مبالغ من الاب العطوف
امام اقرانه , و لكنه كان سعيدا فى اعماقه , فلقد كان تعنيف الشيخ حسن لولده
امام اصحابه صدفة هو خير دليل على صدقه ........... صدق فــــتى
شــــجــــاع......... لا يــــــــخاف الموت .
- " ادينى أحسن و اغلى محفظة عندك يا حاج سلامة " طلب
الشيخ حسن تلك الحافظة من ذاك التاجر الذى يتعامل معه دائما صاحب هذا المتجر
الكبير فى قلب سوق القرية اللذى كان يملأه الباعة الجائلين و اصحاب الحوانيت
الارضية الصغيرة , و بدأ يخرج نقوده من حافظته لينقدها البائع . تعجب أحد البائعين
العاملين فى المتجر قائلا: انت لسه مشترى واحده جلد طبيعى من النوع المفتخر يا شيخ
حسن !!!؟ ضحك الشيخ حسن من تعجب الرجل و و لكنه اجابه قائلا :
-" دى لأحمد ابنى ......اصله كمل 14 سنه , ربنا يخلى لك ولادك
" تمتم الرجل بكلمات الدعاء و الشكر للشيخ حسن اللذى زاده فوق ثمن الحافظه ,
و مضى الى منزله فى خطوات سريعه فرحا بشراء هدية ابنه العزيز , و اللذى
طلبها منه حتى يضع فيها نقوده متشبها بالرجال الكبار. و لكن قبل ان ينادى عليه
ليعطيه هديته , وجد ان الحكمة هى خير هدية , لذا غير وجهته , و توجه الى حجرة كتبه
و اوراقه .........امسك بورقة و قلما .....و اخذ يكتب ........و كـأنه يكتب اخر
كلماته لولده , بل هكذا كانت !!!! "(إلى أبنى الأكبر وأخى الأصغر أحمد:
لقد بلغت اليوم الرابعة عشر
والآن ينطبق عليك القول الكريم
"لاعبوا أولادكم سبع
وأدبوهم سبع وصادقوهم سبع" واليوم بداية مرحلة الأخوة بيني وبينك فأنت الآن
أخى ) و لكن هذه الاخوة المباركة لم تدم الابضعة اسابيع .....فلقد كان للقدر رأى
اخر.........و قدر الله كله خير, حتى ينشأ الفتى بطـــــلا !!!!
" سارت تلك السيدة و
على عاتقها حملا ثقيلا احنى ظهرها .......... حتى وصلت الى جهة مباركة .......جهة
يقف عندها "رسول الله – صلى الله عليه و سلم " رؤيا ً أخرى تراها الزوجة
الطيبة .......و يفسرها الزوج المؤمن .......
- انتى هتربى ايتام يا أم
أحمد !!!!! فكانت الرؤيا .............. و وافقها القدر , ليبدأ فصل اخر فى حياة
البطل !!!!!
- "شد حيلك يا احمد ......لازم تبقى راجل زى ما كان ابوك الله
يرحمه عاوز ........ و خد بالك من امك و اخواتك " نطق الخال كلماته بأسى شديد
, و هو يسلم على ابن اخته "أحمد" لدى باب منزل الشيخ حسن , بعدما
انقضت ايام عزاء والده رحمه الله , وقف احمد يراقب خطوات خاله.....كانت وقفته كأنه
رجلا كبير , بينما تعلق اخيه "محمد" بملابس والدته السوداء
الجالسة فى فناء الدار و بدت عليه علامات اليتم مبكرا الى جوار تلك الزوجة
المكلومة التى حملت بين يديها اصغر ابناءها الـــثمانية ......ابنتها
"نــــُبــــل " .....التى فقدت اباها بعد مولدها باربعين يوما فقط .
مرت الايام , و كبر الفتى
أحمد ........و اقتربت نتيجة الثانوية العامة .....و بينما ينتظر البيت كله نتيجة
احمد , طرق طارقا باب البيت بسرعة و قوة فى جوف الليل , جعل "احمد" يقفز
مفزوعا من على تلك الاريكة الخشبية بفناء الدار.....و التى كان يجلس عليها كثيرا
طالما انشغل بهوايته الفضلة ....القراءة .....جاءت اندفاعته القوية نحو الباب ظنا
انها النتيجة. - " الحق يا احمد ......نخلكم فى الغيط الشرقى
انسرق تانى !!!!" قال الرجل كلماته فى غيظ .......... سارا سويا الى حيث
النخل ....... شعر احمد بالغضب.... لا للبلح المسروق , فلطالما تبرع والده باغلب
المحصول للفقراء و الايتام , و ايضا سار هو على نفس خطوات كرم ابيه ....و لكن غضبه
كان لتجرؤ اللصوص على حدود املاك ابيه الراحل ....كان يشعر كأن اللص يسرق من
رزق اليتيم لا من ماله هو او مال اسرته ....بينما نسى او تناسى ان اخوته السبعة
هم ايضا ايتاما !!!!!. - " احمد.....واخد القزايز دى على فين يا ابنى بالليل
؟" تسألت الام فى قلق و هى تشاهد ابنها احمد خارجا مرة اخرى فى هذه الساعة
المتأخرة من الليل .....ربما خافت لانها تذكرت البشارة , و لكن هل تخيف البشارات
؟؟! " ما تخافيش يا امى .....نص ساعة و هرجع ان شاء الله " وفى الحقل
حيث اشجار النخيل تتمايل مع نسيم الصيف و كأنها اشباحا فى نظر كل جبان , بينما
تبدو كانها حسناوات تحيي كل شجاع , .........كان بينها ذاك الشجاع , و فى ذهنه
كانت الفكرة ................فكرة عقد الشراك عاليا ......جهة السماء ......
!!!!
اخذ "احمد" يجول
بين ابناء القرية مع شروق شمس اليوم التالى و على مقاهيها و فى اطرافها لوقت
طويل.....تجاهل الام اقدامه نظرا لطول سيره بين الاراضى غير الممهده .....الى ان
لمح قدم ذلك الشاب و عليها اثار تلك الحروق الكيميائية "مسكتك يا حرامى .........انت
اللى سرقت نخل الشيخ حسن"......قالها كذلك و لم ينسب النخل لنفسه او لاسرته
اعتزازا بذلك الرجل الكريم الذى طالما زرع فيه الكرم و الشجاعة منذ الصغر كما رعى
تلك النخلات الشامخة. تعجب اللص من هذا الشاب الممسك بتلابيــبه فى قوة , و شعر ان
حروق قدمه قد تجاوبت مع ذلك الفتى القوى فضاعفت الامها عليه, مما دفعه الى
الاعتراف فى خوف قائلا : " انت نخلكم فيه عفاريت !!!!!" لقد حمى نخل
ابيه بشجاعة و ذكاء , لم يخاصم النخل حتى بعدما كان النخل سببا فى مآساة اخيه
"ابراهيم " ....الذى اصيب بمرض عضال نتيجة سقوطه على رأسه من فوق احداها
. لقد نفذ هدفه ...., و حققت فكرة تعليق زجاجات رقيقة بها خليط
من مواد كيميائية حارقة على النخل اهدافها ...و توصل الى اللص .....و توقفت سرقات
النخيل لا فى حقلهم فقط بل فى القرية كلها ......و نجح الفتى "احمد" فى
حماية عرين ابيه .....ربما كانت تلك الشراك العالية مقدمات حماية عرين
السمــــــــاء .....سماء مصر......حيث كانت رؤية أمه و تفسير ابيه.....سماء
البشارة !!!!!
- "مبروك يا دكتور احمد .....مبروك يا ابن الغالى " طرقت
الكلمات مسامعه فور ظهوره على باب المنزل .....لقد عاد "احمد" الى البيت
فوجد حاله منقلبا , زغاريد و سرور و فرحة عارمة ....سيدات العائلة و الجيران يهنئن
والدته . لقد حصل الطالب/ احمد حسن - طالب المدرسة الثانوية العسكرية
بالزقازيق على مجموع ممتاز , يؤهله لدخول كلية الطب بجدارة , و هنا خابت كل امانى
"احمد" بقوة !!!!! - "الله يبارك فيكم .....الله يبارك فيكم "
رد بفرحة مصطنعة احتراما لمهنئيه من عائلته و ابناء قريته .......كان يحب
التفوق , و لكن التفوق بالنسبة لأغلب الأسر المصرية هو الطب .....و كان التفوق
بالنسبة له طريقا اخر .........لكن رغبة ملايين الاسر المصرية لم تكن رغبته , و لا
ميوله ..لذا تمنى ان يحصل على مجموعا عاليا مرموقا ...و لكن لا يجبره لدخول الطب
.....بل يدعمه فى طريق حلمه.....القتالى, بل و الاستشهادى......الا انه لم يشأ ان
يكسر فرحة اسرته .....فالتحق بكلية الطب .....و لكن الى أجل معلوم !!!!
"برافو يا احمد ....اتفضل " انبهر الدكتور/ نبيل ,
مدرس مساعد الكيمياء الحيوية من اجابة الطالب احمد اللذى وقف ليجيب على ذلك السؤال
المركب , مرتديا ذلك المعطف الطبى الابيض -اللذى لم يكن بينه و بين لابسه اى
مودة – جلس بعد اجابته فى مكانه ....فى تلك المجموعة رقم 1 لطلاب الفرقة الثانية
بكلية طب جامعة القاهرة , لم يبدو على الطالب النجيب اى مظاهر للافتخار بتفوقه ,
بل لم يبدو عليه ادنى مظاهر للسعادة ...... و لكنه عاد فور جلوسه الى تخيل تلك
الانابيب و القوارير المتراصة فى المعامل كأنها............كأنها قواعد لصواريخ
تنتظرمن يطلقها!!!! - "أحمد ......مالك ؟؟؟" و بينما توجه الطلبة الى
المدرج بعد انتهاء الدرس العملى , سأله احد الزملاء فى اشفاق بعد انتهاء الدرس و
هو يرى اطراقه الدائم , و كأبته المستمرة , فتابع حواره قائلا :
- "طيب لو كنت متعثر
فى الدراسة كنا قلنا ماشى ....لكن ده انت ...الله اكبر عليك ....صاروخ على رأى
اللى قال....بس باحسك دايما متضايق .....من سنة اولى مش السنة دى ....ممكن تقول
لصاحبك فيه ايه ؟؟" لم يرد احمد ايضا , الا ان كلمة صاروخ زادت من حزنه
الدفين و اللذى انتقل الى ملامحه , مما جعل زميله يثير تلك القضية اللتى طالما
احزنه ذكرها : "يا أحمد انت لسه متأثر بقصة انهم لم يقبلوك بين صفوف
الفدائيين ضد الانجليز .... انت ناسى انك عائل اسرتك....و سنك وقتها كان يا دوب 17
سنة !!!!؟" ابتسم احمد مجاملة لصديقه , و اوجعه ذكر صديقه لهذه الرغبة
التى لم ينجح فى تحقيقها كما حققها ابيه من قبل بتطوعه فدائيا فى حرب 48,.....فكر
قليلا ,..... عقد حاجبيه بشكل اضاف الى سنوات عمره الكثير .....ثم عقب فى كلمات
قليلة قائلا : " الراجل لازم يتخذ القرار الصح , و يكون قد قراره يا إبراهيم
" ثم ودع صديقه بكلمات قليلة عائدا الى المنزل .....فربما كان هذا اخر لقاء
لهما......بل لعله كان كذلك , فبعد هذا الحوار , تغير مسار حياة "أحمد"
تماما.....و اتجه الى حيث هناك ......الى حيث البطولة ......الى حيث البشـــــارة
!!!!
-" أحمد حسن أحمد ابراهيم ".....نادى ضابط الصف - المكلف
باعلان قائمة نتيجة القبول بالكلية الحربية - اسمه بين اسماء المقبولين لهذا
العام , بعدما ترك كلية الطب و تقدم باوراقه للكلية الحربية , و اجتاز الاختبارات
بنجاح باهر.
- "أفـــــــــــنــــــــدم " ......نطقها
"أحمد" بقوة و سعادة غامرة شاقا صفوف الطلاب المصطفين فى انتظار اعلان
تلك النتيجة بخطوات سريعة واسعة و رشيقة ....صرخ عقله من فرط فرحته دون ان يسمع له
صوتا قائلا......معقول ...... اخيرا غادر الطب الكئيب و اتجه الى حيث حلمه ....الى
حيث البطولة و الفداء ......هل بدأت البشارة فى التحقق؟؟ دار الحوار بينه و بين
نفسه مرارا , و تكرر بينما كان ذاهبا ليسلم نفسه كطالب مستجدا بالكلية الحربية
......... كانت مغادرته لمنزل الاسرة و لاخوته صعبة جدا ...... تعلق
"محمد" الشديد به..."ابراهيم" ,......اخوته الفتيات
"سوسن"..."وفاء"...و الصغيرة "نبل".....امه
التى بدأت ترى بداية طريق رؤيتها فى التحقق ......و لكن عزيمته كانت اقوى من كل
هذه المثبطات القادرة على دحر عزيمة اقوى الرجال.
* *
* * *
* *
"ابريل - , 1962"
اخذت عينى الرئيس جمال
عبدالناصر تتابع اولائك الشباب على امتداد ذاك الميدان الواسع بدقة و
تفرس شديدين , حيث اصطفوا فى نظام و دقة فى مراسم حفل تخرج الدفعة ب من
الكلية الحربية لعام 62, و كأنه يبحث عن بطل........بل عن ابطال......او يتمناهم
ان يكونوا كلهم كذلك .
اتخذ "الملازم
تحت الاختبار احمد حسن" مكانه بين الصفوف فى ميدان العرض مرتديا زي الخريجين
العسكري ذو الالوان الداكنة اللذى اضاف الى مظهره البهى و رونقه مزيدا من
البهاء و الهيبة برغم صغر سنوات عمره . "مبروك يا احمد ..........ناوى على اى
سلاح " سأله زميله فى بهجة بعدما انتهت مراسم حفل التخرج , فرد و الفخر
يملأ كلماته مشيرا الى السماء :
"
الجــــــــــــــــــو" "نعــــــم !!!!" رد زميله متعجبا من
اجابته , فعقب الملازم "أحمد " قائلا :
-"المدفعية
الجوية.....المدفعية المضادة للطائرات" و كانـــــــــت هذه هى البداية
الحقيقية ......... لسجود النجوم , على الارض المصرية !!!!!
" 4- ملازم / أحمد حسن احمد ابراهيم – التقدير جيد جدا " احتل اسمه
المركز الرابع بين الضباط التسعة و ثلاثين اللذين درسوا معه فى هذا المعهد العسكرى
الناشىء, شعر بفرحة عارمة عندما عرف بنتيجة تفوقه فى انهاء دراسته
التخصصية بمدرسة المدفعية الجوية , لقد بدأ يضع قدمه فى طريق حلمه البطولى ......و
مرت الشهور و الملازم يكتسب خبراته سريعا .......لقد صار ملازما اول ...... و
اقترب من رتبة نقيب .....و ربما حان الوقت ان يكون له اسرة صغيرة .
و فى احدى اجازاته بينما
كان يجلس مع والدته و خاله بمنزل الاسرة , و بعدما فكر مليا ثم اتخذ
القرار........ اطلقت شفتيه عنان قراره الجديد , و السعيد. -" أمى
...انا استخرت ربنا , و نويت اتوكل على الله و ادور على عروسة " قالها فى
استحياء ناظرا الى الارض شأن اى شاب نشأ مثل نشاته المباركة – " يا الف نهار
ابيض ....اخيرا يا احمد كالعادة ...... قالتها الام و هى لا تنظر الى عين ابنها
-
" اخيرا يا ست الحبايب " قالها بحنان غامر , يعبر عن عمق حبه لامه و بره
بها . ثم اردف قائلا : امى .....انتى ليه دايما مش بتبصى لى ليه !!!!
مكسوفه منى !!!! و ضحك فى حنان , خجلت الام من ملاحظة ابنها الحقيقية .....لم ترد
الا بكلمة واحدة , حملت كل الحب رغم غرابتها : - انا بهابك !!!!! فعلا
......رغم كونه ابنها , ربما هى هيبة من الله كانت قد القيت عليه .....حتى مع امه
....علها هيبة شهيد !! و هنا تدخل الخال فى الحوار البهيج قائلا :
-
" عروستك عندى يا حضرة الظابط "
لم تمر ايام قليلة الا و
كان الابن البار و امه و خاله فى منزل العروس المنشودة التى اختارها خاله , منتقيا
فيها كل الصفات الجميلة التى يبحث عنها كل باحث عن الحياة الاسرية . و بعد
الاتفاق كما هو معتاد فى الزيجات المصرية , و فى تلك الغرفة الجانبية
الواسعة التى اقتصرت على النسوة الحاضرات لهذه الزيارة السعيدة ,همست الام فى أذن
والدة عروس ابنها و هى تجلس الى جوارها قائلة بمزيج من الفخر و بعض الخوف :
- على فكرة .....احنا بنخطب
بنتك لظابط , مبشر انه شهيد !!! تعجبت ام العروس من كلمات الام ,..... و لكن
سرعان ما زال عجبها ....بل و زاد تمسكها به......بعدما علمت بالقصة
.......قصــة البشـــــارة !!!!
"و لقد اتخذت قرارا و اريدكم ان تساعدوننى عليه
........" جاءت كلمات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى بيان تنحيه عقب نكسة
يونيو من عام 1967 و كأنها طعنة فى قلب كل مصرى اصيل ....كما كانت النكسة
طعنـــــــــات فى قلب كل مقاتل مصرى.. ما بين طعنة الهزيمة .....و طعنة فقد الارض
الغالية ......و فقد الاحباب اللذين استشهدوا غدرا على رمال سيناء . و مرت الايام
و الاسابيع و لكن شعلة غضب الضابط الاصيل احمد حسن لم تهدأ و لم تنطفىء , و
بينما يتابع الاخبار هنا و هناك فى اجازته القصيره بمنزله , اذا به يمزق تلك
الجريدة الاجنبية بين يديه عندما رأى صورة بشعة للشهداء المصريين بينما تنهش
اجسادهم ذئاب الصحراء, و اخذ يصيح هائجا "
لا.................لأ...................لااااااااااااااااااااا...........دى مش
حرب ....دى مش حرب ............ حربكم لسه جاية معانا ..........و هنوريكم
....هنهزمكم شر هزيمة......... الله اكبر ....... الله اكبر " كانت حالته
عجيبة جدا , كان مشهده الغاضب مقطعا للقلوب ....حيث انتفخت عروق رقبته و احمر وجهه
فى قوة , و خرجت الكلمات منه جريحة اليمة معبرة عن عمق حزنه و مدى المه "
اهدى يا احمد ....اهدى ........ربنا مش هيسيب حق الشهدا ان شاء الله "
نطقتها زوجته "نادية" باشفاق شديد عليه , فلم تره غاضبا
هكذا من قبل , لقد كانت جذوة هذا الغضب هى دافع مزيد من التفانى فى العمل و
القتال....من اجل مصــــر!!!!
احاط الجليد الروسى القاسى الشهير بميدان التدريب المخصص لتلك البعثة المصرية ,
التى اشتملت على خيرة ضباط جيش مصر .....و بين اولائك العاكفين على التدريب الجاد
كان "النقيب احمد حسن" مرتديا ذلك الزى العسكرى الثقيل المصنوع من
الفراء.
-" إيفـــان .....هل ترى هذا الضابط . الاابيض الوجه ذو
العينين الخضراوين ؟؟" تسآل القائد الروسى فى تعجب و بصوت
لا يختلف كثيرا عن برودة جليد بلاده و هو يقف الى جوار نافذة مكتبه المطلة على
ميدان التدريب الواسع, - ايفان : نعم يا سيدى ......انه من اكفأ ضباط البعثة
المصرية و انشطهم .... اسمه احمد حسن .....برتبة نقيب ؟؟
رد الضابط
"ايفان" فى اهتمام جم متابعا الضباط المصريين الى جوار قائده
. - القائد : اشك انه أمريكى يا ايفان ....ملامحه و
كفاءته الفائقة تجعلنى اشك فى ذلك !!! امتقع وجه ايفان نتيجة كلمات رئيسه
.........و اخذ كلاهما يتابع الضابط النشيط دونا عن الجميع......فى مزيج من
التركيز .....و الغيظ ....استعدادا للفتك به .....ان صدقت توقعات القائد الروسى
.....ان صدقت !!!!
"انا اشك انك امريكى
مدسوس بن المصريين ايها الضابط !!!!" نطق الضابط الروسى كلماته بلهجة
باردة صارمة لا تختلف عن قسوة بلاده فى وجه بطلنا ......الذى لم يرد الا بابتسامة
واثقة ساخرة ....و لم يعير صاحبها اهتماما رغم ما توحيه كلماته من خطر داهم يحيط
به !!
" بقى الروس شاكين انك امريكى يا أحمد !!!!" نطق قائد
البعثة المصرية كلماته و انفجر ضاحكا بين ضباطه فى تلك الصالة المخصصه
للاستراحة و تناول المشروبات الساخنة فقط لمحاولة التغلب على البرد الروسى الرهيب
, -حيث لم يكن اى من افراد البعثة المصرية يتناول اى مشروب كحولى- , ابتسم
النقيب احمد حسن من كلمات قائده , و عقب قائلا : "تخيل يا فندم ....عشان
كده !!!......انا لاحظت انهم بيراقبونى دايما يا فندم.....انا لم اعطيهم اى احساس
انى ملاحظ.... , و فوجئت بيهم بيبلغونى بكده "
- القائد : "ما
تنساش ان كفاءتك لفتت نظرهم بقوة يا سيادة الرائد " - لم يبدى النقيب احمد
لقائده انه انتبه الى خطأه فى رتبته , الا انه قال بامتنان و ادب جم :
-
ده بفضل تعليمات سيادتك , بعد توفيق ربنا طبعا يا فندم .
-
القائد : لا دى حقيقة يا سيادة الرائد .
-
النقيب احمد : ايه قصة رائد دى يا فندم ؟
-
القائد: انت ما عرفتش و لا ايه ....مبروك على الترقية يا سيدى .
و اتخذ النسر المصرى مكانه
على كتافة الزى العسكرى لبطلنا و هو هناك .....يصارع سباق التكنولوجيا من اجل مصر
....و فى قلب جليد روسيا الرهيب. - " طبعا بتكتب جواب للجماعة ؟"
نطق النقيب "عبدالعليم " صديقه العزيز هذه الجمله مداعبا
له , و هو يراه جالسا على مكتب صغير باستراحتهم المتواضعة القريبة من ميدان
التدريب الروسى فى هذه الليلة الباردة , شأن كل الليالى الروسية تقريبا .
ابتسم الرائد/ أحمد قائلا : لا يا سيدى ....ده جواب الست نهلة . ضحك
"عبدالعليم" من رد صديقه و قال له : - بتكتب جواب للعروسة
الصغيرة دى .....دى يا دوب يمكن عندها اربع – خمس سنين ....!!!؟ ضحك ضحكة قصيرة و
هو يتملى صورة ابنته الصغيرة التى وضعها على جانب المكتب فى برواز بسيط , ثم
اردف قائلا :
- لا هى يا دوب اربعة
...بس ما شاء الله ....عقلها يوزن بلد.....تعرف انها بتصلى اغلب الفروض و بتتعلم
السنن كمان !!!! . - عبدالعليم : ربنا يخليها لك , و تقوِم المدام بالسلامة ان شاء
الله . -احمد : أمين يا رب............ قالها بايمان صادق و تضرعا مخلصا الى
الله....ثم واصل خطابه الى ابنته الصغيرة ...مكررا وصاياه لها بالصلاة برغم صغر
سنها ....و محدثا اياها و كأنها شابة يافعة , و كأنه يقضى معاها ما يقضيه الاب مع
ابناءه دفعة واحدة...........لقد كان تأمينه على دعاء صديقه مستجابا
........فقريبا سيرزقه الله بذاك الابن الجميل , الشديد الشبه به
......خــــــــالــــد .
- ".....الولد ده
من كتر ما باحبه , يا هو هيموت .......او انا هموت !!!" قالها "الرائد
احمد" و هو يرفع ابنه "خالد" عاليا قرب النجفة المعلقة فى سقف ردهة
منزله - "بعد الشر يا احمد ......ربنا يديك الصحة و طولة العمر و
......."
اخذت والدة زوجته تدعو له و
كانها تدفع بدعاءها كلماته عن مسامعها, بينما ابتسم هو , بينما انهمك فى
مداعبة صغيره , لقد ذكره ذلك بلعبه مع اخيه الاصغر "محمد" اللذى كان و
ما زال شديد التعلق به و كانه اباه لا اخيه الاكبر........ ليس "محمد"
فقط .....بل اخوته السبعة جميعا , و خاصة اخر العنقود اخته
"نـــُبـــل" .....التى ظلت معتقدة حتى سن المدرسة ان
"احمد" هو اباها ....كانت تناديه "بابا" ....حتى علمت من
الاطفال فى المدرسة ان هذا اخاها و ليس اباها ....و كانت اول صدمة فى حياتها
.....جاءته يومها دامعة العينين .....لتخبره بما سمعته و تعجبت له ....فما كان من
الاخ الحنون و الاب البديل الا ان احتضنها بحنان جم و طيبة بالغة ......طيبة لا
تنبع الا من قلب طيب !!! ابتسم لتذكره ذلك ...... و اخذ يلاعب خالد و كانه طائرة
صغيرة .....,
كان كل شىء فى حياته
يذكره بالعمل و القتال.....حتى منظر الطفل الصغير و هو يفرد ذراعيه فى قوة و عدم
خوف رغم انه لم يكمل عامه الثانى و هو يرفعه بكف يده , لاح له كأنه
إحدى الطائرات المصرية التى كان يراقبها و هى تحمى سماء مصر فى كل مكان ......من
اسوان حيث كان يعمل فى كتيبة حماية الخزان ........ الى الجبهة !!!!! ملأت ضحكات
الصغيرين خالد و نهلة جنبات المنزل و هم يستمتعان باللعب مع والدهما فى اجازاته
القصيرة و القليلة .........كانت ملامح الصغير خالد تزداد تشابها مع والده يواما
بعد يوما, و معها يزداد حب كليهما للاخر.....و حب العائلة للصغير . " يلا
ناخد صورة حلوة جنب ماما.......نهلة قربى من خالد......الابتسامة الحلوة فين
؟ " ضحك الابوان من خالد الصغير اللذى اخذ يحاول ان يفرد سبابته وابهامه دون
باقى اصابعه مقلدا شكل المسدس , لعبته المفضلة, بينما تتابعه نهلة الصغيرة
بابتسامة طفولية , ممسكة بطرف ملابس والده كانها ظله , او كأنها تخشى ان تفقده!!!!
كليلك ......... التقط صورا جميلة لابناءه اثناء لعبهم و ضحكهم ....و كأنما كانت
تلك الصور تسجل صدى الضحكات لا مظهرها فقط .
اخذ يعمل على تحميضها بنفسه
فى ذلك الاستوديو الصغير اللذى صممه فى احد حجرات المنزل .....فلقد كانت لهواية
التصوير لديه مكانة خاصة توازى هواية القراءة تقريبا او تليها .. كان شاعرا
ايضا تحمل كلماته مزيج غريب من القوة و الحزن .........و كأنه يسجل لولديه
الصغيرين تلك الذكريات........حتى لا تطوى مع الايـــــام ....اذا لم يجدوا
بجوارهم صاحب تلك الذكريات !!!!!
و بينما كان البطل يعيش
اجمل اللحظات مع اسرته ......كان هناك الكثيرون ممن يذكرونه بالخير هنا و هناك ,
من بينهم اولائك اللذين تذكرهم بهداياه الوفيرة بعد عودته من روسيا
- " شوفت يا خوى
الظابط احمد ده .......عجيب و الله يا شيخ !!!" قالها عم "عبده"
حارس العمارة المجاورة لسكن "الرائد أحمد" , و هو يحاور احد حراس
العقارات فى المنطقة أثناء جلوسهما على ذلك المقعد الخشبى البسيط امام تلك البناية
, سأله الثانى عن سبب تعجبه,
فقال له :الراجل يا دوب يعرفنى......صباح الخير .....صباح
النوريا بيه .....و رغم كده جاب لى هدية معتبره لما رجع من السفر ..... الله يبارك
له يا شيخ , و يحفظ له اولاده , .............. "
و اخذ الرجل يردد
ادعيته للبطل ,....و يبدو ان ربه سبحانه و تعالى لم يرد دعاء ذلك
الرجل البسيط , لصاحب البشارة !!!
الاول من اكتوبر -
1973 .......كما رأى النور اول مرة فى مثل هذا اليوم.......يوم ميلاده...........
كان ايضا اخر الذكريات بينه و بين اسرته.
فى اخر ساعات اجازته
السريعة الاخيرة التى لم تزيد عن بضع ساعات ... اخذ يقوم بامر عجيب .....
- اصرفوا لأمر السيدة : نادية محمد ............. . "الشيكات
دى تصرفى منها , حتى تنتهى اجراءات المعاش !!!" "ده رقم كتيبتى .....و
هذه بياناتى ...حتى لا تفقد جثتى فى حال وفاتى لسبب يغير معالمى ....فقد لا
تتعرفون على !!!" انفطر قلب زوجته لسماعها تلك الوصايا الغريبة ....جادلته
فيها ..... ؟ الا ان اصراره كان غير قابل للجدل .....او للشك !!!!
" مع الســــــــــلامة يا أحمد......... داعية لك فى كل سجود
يا ابنى" ترددت كلمات امه الباكية فى ذهنه طوال طريقه فى تلك السيارة
العسكرية التى اقلته عائدا الى حيث كتيبته بعد تلك الاجازة الخاطفة الاستثنائية ,
حيث منحة قائد اللواء 24 ساعة ليزور فيها اهله- تقديرا من القائد له - برغم
التوقيت العصيب و الاستعدادت السرية الدؤبة ........ ربما كانت دعوة من الام
لترى ولدها....., كانت نبرتها فى هذه المرة مختلفة عن كل مرة يزورها فيها كعادة
ثابته فى بداية و ختام كل اجازة له مهما قصرت مدة اجازته , امتزجت صورة والدته فى
ذهنه و هى تودعه على باب منزلها بتكرار عودته ليسلم عليها مرة اخرى كلما هم
ان يغادر ...لماذا هذه المرة ....وعلى غير عادة كل مرة ......فهو لم يتردد فى
حياته قط ... الى فى وداعه لأمه.....!!!!!! و لم يصرفه عن وداعها بسرعة بعد هذا
التردد الا ذاك الشاب اليهودى المقيت من جيرانه, الذى اخذ يتحدث مع
سائقه المجند "عبدالرازق" .....حيث كان يشك الرائد احمد فى طريقته و
طريقة اسرته ......لقد سارع فى وداع امه ليقطع اى شك قد يؤذى مصلحة الوطن !!!!
صرف ذاك الشب المشكوك فى
امره فى قسوة .....و اعطى اوامره لسائقه الجندى "عبدالرازق " بالتحرك
سريعا ......تاركا وراءه الام الباكية .....فربما هذا اخر لقاء لهما ......بل كان
كذلك فعلا .....و مع تلك الفكرة سار بمخيلته شريط ذكريات سريع . ....... !
-" بابى.......خد
اللبان ده ....هدية منى " -"شكرا يا حبيبتى , كليه انتى .....انتى عارفه
بابا مش بياكل اللبان , ده للحلوين الصغيرين اللى زى حبيبة بابا" - "طيب
خد واحدة بس " ........
تذكر جملة ابنته الصغيرة
"نهلة" و هى تعطيه قطعا من اللبان التى كانت تحبه جدا شأن كل الاطفال ,
بينما كان يرتب اغراضه فى حقيبته منذ ساعات.....لم يشأ ان ياخذه منها لانه يعلم
مدى حبها لهذه الحلوى....اثرها على نفسه ..... مــــا هـــذا؟؟ ...... من
اللذى فتح هذا الجيب من حقيبته ........ فتش الجيب فى سرعة ........و ارتفع حاجبيه
فى دهشه !! , قاوم دمعتين من عينيه .....انها قطع اللبان , وضعتها
"نهلة" له فى حقيبته عندما تركها بجوار الباب قبل رحيله , كان تعبيرا
صادقا و بسيطا من طفلة محبة لوالدها !!!!
______________________________________________
و بدأت
المعـــــــــــــركـــــــــة .....
"هذا و قد تمكنت
قواتنا من اسقاط سبع و عشرين طائرة من طائرات العدو ...... هنا القاهرة
" كانت جميع البيوت المصرية تتابع توالى بيانات القتال التى تذيعها الاذاعة
المصرية من قلب الجبهة المصرية فى حرب رمضان المباركة.......بينما كان المقاتلين
المصريين الاشداء فى قلب النيران نفسها.....صائمون برغم عدم انتهاء حر
الصحراء فى اكتوبر من عام 1973. و هناك.... حيث قيادة الجيش الثانى الميدانى
.....بين صحارى سيناء ..... اغار سرب من الطائرات الاسرائيلية من طراز ميراج قاصدا
مهاجمة قيادة الجيش , حيث كان اللواء / سعد مأمون – قائد الجيش الثانى
الميدانى متابعا لسير العمليات بدقة ......... لقد شاهد الطائرات المغيرة .......
و شاهد بسالة تلك الكتيبة التى صدت الهجوم بصواريخها التى انطلقت و كانها تعرف
طريقها و اهدافها جيدا .......و لكن ما هذا ........ لقد تم اسقاط اربع طائرات
اسرائيلية و لكن بثلاثة صواريخ فقط ......... لم يصدق الرجل نفسه حين استعاد مشهد
الصاروخ و هو يسقط طائرتين ........ صاروخ مصرى واحد ....يسقط طائرتين اسرائيليتين
......ملأ العجب فكر الرجل ....و لكن لم يكن ذلك عجيبا ..... فلقد كانت هذه
الصواريخ و كأنها رسالة من الرائد أحمد حسن .....الى ذراع اسرائيل الطويل ...... و
بدأت النجوم الاسرائيلية فى السجود ارضا.....بينما كان الرائد احمد يردد تلك الاية
مع كل صاروخ يطلقه "و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى " صدق الله
العظيم
- سيادة اللواء جميل
........ تروح مندوبا عنى , و تقبل رأس كل رجال الكتيبة دى .........و خاصة قائد
الكتيبة . ارسل قائد الجيش الثانى اشارته من مقر القيادة الى حيث مقر اللواء
جميل طه قائد لواء الدفاع الجوى اللذى تتبعه تلك الكتيبة , لقد كان ذلك تعبيرا عن
عمق اعجابه و تقديره لتلك الكتيبة الباسلة .....و لذلك القائد الشجاع ........
الرائد / أحمد حسن .
على الجانب الاسرائيلى فى
هذا الاجتماع الطارىء داخل ذلك المقر القيادي المحصن للقوات الاسرائيلية على ارض
سيناء المحتلة , و حيث كانت القوات الجوية الاسرائيلية تصرخ من ضربات قوات الدفاع
الجوى المصرية الموجعة , بل و الجيش الاسرائيلى كله , كان الحوار محتدما بين
القيادات الاسرائيلية - "ماذا تقول يا مورداخاى !!!؟" صاح
الجنرال "اريل شارون " قائد احدى الفرق المدرعة الاسرائيلة معترضا على
الجنرال "مورداخاى هود" قائد القوات الجوية الاسرائيلية ,
حيث كان الاخير يصرخ مثل المجنون قائلا : - نعم ........... لن ادفع بطائراتنا
للموت المحقق بصواريخ المصريين الجهنمية ........ الم ترى هذا الصاروخ الرهيب اللى
يقتنص طائراتنا بشكل مرعب........ هل تعلم كم طائرة فقدنا ايها الجنرال........و
كم طيار بين قتيل و اسير او مفقود ........ انهم يسقطون طائرتين بصاروخ
واحد....... لن ادفع بقواتى فى اى عملية ما لم تحيدوا لى قوات الدفاع الجوى المصرية
او على الاقل تضعفوها !!!!! تلجم اولائك الجنرالات المتغطرسين سابقا , اثر ما
اعلنه الجنرال "مورداخاى" من حقائق مفزعة عن هذه القوات المصرية العجيبة
....و عن هذا الصاروخ الرهيب اللذى لم يكن سوى صورايخ طراز سام المختلفة , التى
فاجاء بها المصريون اعداءهم ........و لم تكن هذه المفاجأة الوحيدة ....فبطولات
الرجال فى شتى الاسلحة قد تعددت .....و اخافت اولائك الجنرالات .........و خاصة
واقعة اسقاط الطائرتين هذه.......... لم يكونوا يعرفون آن ذاك ان وراء تلك
البطولات رجال اشداء و مخلصين و سلاح دفاع جوى عظيم تبدأ عظمته باقدم رجاله الشهيد
عبدالمنعم رياض.......مرورا بكل الرجال البواسل .....و خاصة صاحب هذه الواقعة
.........رجل شجاع.....صاحب بشارات.....و اسمه أحمد حسن ......الرائد أحمد حسن
!!!!!
" فيه ثلاثة من جنودنا
مفقودين يا فندم !!!" القى احد ضباط كتيبة الرائد احمد حسن جملته فى قلق بالغ
......لقد ضل جنوده هؤلاء طريقهم اثناء اداءهم لاحد المهام فى صحراء القتال
.... لم يتردد قائد الكتيبة كثيرا ......اخذ احدى السيارات الجيب ......جال ما
يحيط الكتيبة من الصحراء فى شجاعة بالغة , و كأنه يبحث عن ابناء له ..... وجدهم ....
عانقهم بحفاوة بالغة بدلا من ان يوقع بهم عقابا و نجح فى اعادتهم سالمين !!!
___________________________________________
" أحمد ............... أحمد بص هناك ......فى سينا .........
شايف القصر ده .......ده ليك .......... حربك خلاص انتهت ...... انت انتصرت ......روح
خد القصر بتاعك !!!!"
افاق الرائد احمد حسن من
غفوته السريعة فى موقعه القتالى ... رأى سيناء كلها و كأنها حدائق غناء ....... و
راى هذه البشارة .....اخرج ورقة و قلما من جيبه سريعا .......و اخذ يكتب :
"اختى الحــبــيـــبة ‘سوسن’ ......... ......" و اخذ يروى لاخته
فى خطابه الاخير لها....الخطاب الذى لم يمهله قدره العظيم ان يوصله لها فى حياته
..., خطاب باخر ما نعلمه مما رآه من بشارات ....... قبيل الساعة الحاسمة !!!! و فى
منزل اسرته ....و فى غفوة اخرى ....كانت عروس البيت , اخته "سناء" التى
تحدد موعد زفافها بعد انتهاء الحرب .....و اذا بها ترى نفسها عروسا , ترتدى فستان
الزفاف .....و لكنه أسود اللون .....و كانت اشارة الى النهاية من جانب أخر !!!!
استـــــــــمـــــــــــرت المــــــــــــعـــــــــــركـــــــة , و..... استمر
سقوط الطائرات الاسرائيلية بشجاعة جنود مصر ........و كانها اوراق خريف ,. و
رجال الدفاع الجوى هم الريح العاصف ........ و اخذت كتيبة الرائد احمد
حسن...الكتيبة 671 دفاع جوى ,..او كتيبة "الشرقاوى " كما كان يلقبها
رجال السلاح تبعا لنشاط قائدها "الشرقاوى" تنتقل من مكان
لاخر بين رمال سيناء مطبقة خططها الدفاعية الوصف و الهجومية الوقعة ....-
تلك الكتيبة التى اطلقت اول صاروخ دفاع جوى فى تلك الحرب المقدسة-
بدقة و جسارة منقطعة النظير, محققة دورها فى عمل المظلة الدفاعية للقوات
المصرية ضد الذراع الاسرائيلية الطويلة ........التى طالما افتخرت بها اسرائيل و
اعتمدت عليها فى جرائمها و اطماعها !!!! - و بينما تدور رحى المعارك ......لفت
القائد احمد حسن نظر رجاله باخلاصه الشديد و شجاعته المفرطة....ليس لاول مرة , و
لكن بشكل عجيب فى هذه المرة .........كان من فرط حماسته و اخلاصه كما وصفه احد
جنوده لاحقا..... كأنما يقاتل وحده !!!!!
- " منصة الصواريخ
وقعت فى حفرة عميقة يا فندم " نطق الرائد / عبدالمنعم سعد – رئيس عمليات
الكتيبة فى حنق واضح , حيث سقطت تلك المنصة فى احدى الحفر الضخمة العميقة التى
احدثها احد الصورايخ الاسرائيلية ............كان الموقف عصيبا .....حيث مر
على بداية الحرب اثنى عشر يوما ....و لاحت بوادر الثغرة فى الظهور اصبح
النصر فى خطر !!! ........حاول المهندسون العسكريون انقاذا بشتى السبل المتاحة
....و لكن لا جدوى .......و لكن الرائد احمد اتخذ قراره بثقة , و قال : انا
هنقذها بنفسى ان شاء الله . - عبدالمنعم : بس يا فندم ..........حضرتك
عارف ان القيادة اصدرت اوامر بنسفها حتى لا يستولى عليه العدو !!! - لم
يتقبل الرائد احمد فكرة ان يدمر سلاحه بيده و هو فى طريق النصر , فهز رأسه فى عنف
كأنه ينفض خيال المنصة المحترقة و دخانها فى قلب الكتيبة المصرية و بأيدي رجالها
, و رد فى سرعة قائلا :
مستحيل يا عبدالمنعم ......... انت عارف كويس تمن المنصة دى
كام......و دورها ايه ....و امكانياتها........ هانقذها ان شاء الله ...و بأى تمن
....اطلب دبابة نجدة فورا !!!! و لقد كان الثمن باهظا .............و لا يدفعه الا
من يقدر عليه , كان الثمن هبة الله لعبده.......... البشارة !!!!
قفز الرائد احمد بنفسه
متحمسا الى الحفرة الكبيرة حيث سقطت منصة الصواريخ , مصرا ان ينفذ عملية
الانقاذ بنفسه , بينما ظل ازيز الطائرات فوق رؤسهم و الدانات تتساقط من مكان
لاخر فى طريق الكتيبة للرجوع تجاه قناة السويس لتطبيق خطط مقاومة
الثغرة .......... ربط تلك السلاسل حول المنصة بفكرة مبتكرة و مدهشة
فى شكل حرف X ....ثبتها جيدا ....., زحف تحت المنصة حتى يخرج من الفراغ بينها و
بين الدبابة التى قرر ان يستخدمها فى جر المنصة لانقاذها , و فجأة انفجرت دانة
بقرب الدبابة .....جعلت الجندى اللذى يقودها يتحرك بها الى الامام فى قفزة
قوية غير مقصوده ..........و معها تحركت منصة الصواريخ الضخمة .......و بينهما
البطل لم يكمل خروجه بعد !!!!! - " أه يــــــا ضــــــهـــــــرى
" ......... تمتمت شفتى البطل احمد حسن تلك الكلمات بصوت مكتوم ضاغطا على
اسنانه فى الم شديد.........كأنما لم يرد ان يسمعها احد....... الا ان اننثناءة
ظهره المفاجئة تحت حافة منصة الصواريخ رهيبة الوزن و على تلك الارض الوعرة
الغير ممهدة ......لم يكن.......... شديد الايلام فحسب ......... بل قاتلا!!!
" احمـــد........... أحمد !!!!" صرخ الرائد عبدالمنعم و
هو يقفز نحو قائده داخل الحفره ........ سحب جسده بسرعة و عنايه ......... قال لهم
: انا كويس ......ما تخافوش ........لكن التهالك الشديد كان واضحا عليه من اثر
الاصابة . اقلت البطل احدى السيارات العسكرية فى محاولة لانقاذه متجهة الى اقرب
نقطة طبية فى ارض الميدان , وبينما كان احد الرجال الى جوار قائده المصاب فى
تلك السيارة التى شقت طريقها فى قلب النيران ..........و فوق ذلك المعبر........
فوق مياه القنال .......... نظر الرائد احمد حسن الى اعلى .........و كأن سقف
السيارة لا يحجب السماء عن بصره ..........او ربما بصيرته ......كان و كأنه ينظر
الى النجوم......النجوم الساجده ....... ربما رأى نهلة و هى تلاعب اخاها خالد
الصغير ,...... او ربما رأى خالد يلعب بلعبته الفضلة .....المسدس.....فعرف انه
سيتبع طريق والده ...... عله رأى القصر اللذى بشر به فى منامه....مقعده من الجنة
.... - لفتت ابتساماته الغريبة نظر من حوله , فسأله احدهم قائلا : يا فندم
.....انت كويس؟؟؟؟ .فــقال و قد ازدادت ابتسامتة العجيبة اتساعا : انا كويس
........ و الله انا كويس !!!! و اخذت ابتسامته فى الاتساع ........ ثم اردف قائلا
:
قول لأمى ......قول
لنهلة و خالد .....سامحونى انى نسيتكم .....و افتكرت مصر !!!! و سعل عدة مرات
بينما يتناثر الدم من انفه و فمه ........ و معى اخر سعاله , خرجت روحه الطاهرة
........ فوق مياه القنال....قبل ان يغادر ميدان القتال , و بعدما اسقطت
كتيبته رقما قياسيا من الطائرات الاسرائيلية الغاشمة .....13 طائرة ........ نعم
......13 طائرة على كل منها نجمة داوود.... عشر قوة طائرات العدو ..... تلك كانت
نجوم البشارة..... الساجدة بين السماء و الارض للرسول الكريم "صلى الله عليه
و سلم " تبعا لرؤيا والدته و هو جنين فى بطنها , .....بينما سقط من جيب
بدلته العسكرية .........شىء صغير ......... انه قطع اللبان ...... اخر ذكريات
ابنته نهلة .......... مع الشهيد البطل / أحمد حسن , اللذى
انتهت معركته........و انتصر............ و ذهب لينال قصره اللذى بشر به
.......... هنــــــــــاك , حيث البشارات,........ حيث الصديقين و
الشهداء........... بإذن الله .
لقد اختار الله له نعم
النهايه .....كما اختار له نعم المرقد......بين الشهداء .......حيث كانت اخر
البشارات .... فبعدما وضعت الحرب اوزارها.....حينما قررت القيادة العامة
للقوات المسلحة عام 1977 , لمن يرغب من اهالى الشهداء ان يحضر الى حيث دفن شهداءهم
و يأخذوا رفاتهم او- هكذا ظنوا- الى حيث مقابر اسرهم.
" يا امــــــى
.......سيبينى مع الصحبة اللى انا بينها " !!!! .....تكررت الرؤيا للام ثلاثا
.......... و عندما ذهب اخاه ليشاهد عملية نقل الشهداء المهيبة , عاقدا العزم على
ان يمضى بشارة اخيه الاخيره .......... فاذا به يرى الشهيد احمد حسن ..... بين
الصحبة التى ارادها......بين الشهداء ........و كأنه نائما.....اجسادهم غضة
طرية ........و جراحهم لينة ندية ...كادت ان تنزف مرة اخرى..........و ينبعث
منها رائحة المسك.....فهكذا يكون مسك الختـــام !!!!! حقــــــــــا
.........
هكــــذا تــــكــــون
البـــــشـــــــــــارة !!!!!!
هــــــــــــكـــــــــــذا
تـــــــكـــــــــــــون البــــــــــشـــــارة !!!!!
اهداء الى روح الشهيد البطل
– المقدم / احمد حسن بطل قوات الدفاع الجوى ....و الى كل الشهداء الابرار
فجر السبت 19 مايو 2012
تعديل و تنقيح : عصر الاحد
20 مايو 2012
*
*
*
نشرت مختصرة بمجلة الهلال
عدد اكتوبر 2012 - تحت عنوان:
"بشارات الشهادة"
*
*
*
عدلت بهذا الشكل
النهائى تبعا لرواية و مناقشة السيدة /نهلة احمد حسن
- ابنة الشهيد
الاربعاء 26
سبتمبر 2013
بقلم د. احمد مختارحامد
ابودهب