( الطريق إلى .....الصحة
! )
كان يوما من أجمل أيام العمر ..... يوم العطاء ....يوم
ينال كل من صبر .....يوم حفلة التخرج , و بعد الحفلة توجه الطبيب هانى مرتديا روبه الأسود و غطاء الرأس المميز
للخريجين , و توجه إلى أفضل ستوديو بالمدينة .
و فى الأستوديو
وجه " هانى " تعليماته الطبية
للمصور قائلا :
عاوز صور تنفع أفيشات أفلام ....بس مش من بتاعة روتانا
سينما .....مش ناقصين فضايح ... أنا مش هانى سرحان !
( إلتقط المصور العديد من الصور ل هانى و كأنه لاعب كمال
أجسام أو هتلر أيام الحرب العالمية )
و بعد أن فرغ من صوره , نظر إلى الشهادة بفخر قائلا :
الحمد لله ....أخيرا .....يخرب بيتك ....طلعتى عنينا علشان ناخدك ......هو الواحد
نظر أهله راح من قليل !
ثم أردف قائلا : كده الواحد ينام و يحلم بإستلامه نيابه
فالجامعة ....أنا عارف أخروا ظهور نـتيجتها ليه ....بس يلا يعنى هكون أقل من " راضى " اللى كان دور تانى و خدوه نايب جراحة سنيور لما
ملقوش حد يدخلها , و كمان إتعين معيد لما إستقال أغلب النواب ....أكيد يالا يا
هانى هتجيلك حاجة تبقى بيها باشا .....باااشااااا.
-------------------------------------------------------
و فى اليوم التالى , و أثناء ما كان يشدو العندليب قائلا
( لـــكن سماءك ممطرة و طريقك مسدود مسدود .......يا ولدى ) , يرن جرس
الموبايل كأنه هزيم الرعد , و يستمع هانى لمحدثة الذى يقول :
معلش يا هانى .... هارد لـــَـك يا حبيبى الجامعة
خدت 12 نايب فى كل قسم ....من الأقسام اللى إنت ما كاتبهاش .....و لا قسم من
رغباتك خد نــــــــواب !
هانى ( مخاطبا صوت عبدالحليم ) : بااااااس يا عم .....قفلتها .........أهى إتسدت رسمى .....كده الواحد هياخد
إستمارة 6 عالصحة.....هه ......صحة و عافية يا خويا .
--------------------------------------------------------
** و فى جلسة مع أصدقاء الكفاح , يسأل هانى أحد أصدقاءه ( من اللى
بيعرفوا كل حاجه ....و هما " أجهل من ....دابه" )
= هانى :
إيه أخبار نيابات الصحة يا عم ....إنت مش فيه حد من قرايبك بيشتغل " كلب بوليسى " قدام وزارة الصحة .
=الصديق : إطمن يابو دم خفيف ....النيابات السنه دى نازله كتيييييير .. ده إحتمال
يدو كل واحد 3 تخصصات مع بعض... و الأماكن إنت و راحتك ..... زى ما يعجبك .
= هانى : يا سلام .. هو ده الشغل ...
كده الواحد يشوف له بلد ساحلى و لا سياحى ..... الحمد لله إن ربنا رحمنى من
الجامعة ...أنا إيه اللى عليا إن واحد أكبر منى بسنه ولا إتنين يخلينى أكنس القسم صبح و ليل .... وحضر حالات
....... حضر لستة عمليات ..... حضر ماجستير .... حضر عفاريت .
(و تعلن الوزارة عن بدء التقديم عن النيابات الأستثنائية
, للأطباء الذين أفنوا حياتهم فى دراسة الطب , و فاتهم قطار الجامعة بمحطات قليلة )
.
=
هانى يحدث نفسه , أثناء ملأ إستمارة الرغبات : يلا ياعم .... أول رغبة .... مصيف ...يبقى البحر
الأحمر ....لزوم الدلع و البحر .....يبقى جلدية
..ثانى رغبة .....برضة مصيف ....إسكندرية ....لزوم الهوا
....تبقى صدرية , ثالث رغبة
......برضه مصيف .......إسماعيلية .....لزوم الشمس .....تبقى شمسية .
زميله رادا : إيه يا عم شمسية
إيه .....هى كلمات متقاطعة !
هانى
: إسكت يا عم إنت مش فاهم حاجة , خليك إنت بس 3 أيام ريف كفر الحداية وتلاته وحدة قرية ميمون باشا القرد ....روح يا عم شوفلك حد
يسرح بيك فالموالد .
و تمر الأيام ....و فى يوم ما , يسمع هانى صوتا مهللا و مناديا : داكتور
هانى .... يا داكتور هانــــــــــى ....يا داكتووووور . مبرووووك ... جواب التعيين وصل .... إيدك
عالحلاوة .
*هانى مهللا
: هييه .... يحيى العدل ... دقوا الشماسى , نيابة المصيف وصلت و ياللـ ـى عــالــتــ ــرعة حــ ـود عـالمــ
ــالح , ( و يفتح المظروف متلهفا , و عينى صديقه و صاحب البشرى تنظر بلهفة )
و تظهر علامات الزهول على وجهه , فيسأله صديقه
قائلا : هانى ... نيابة إيه .....هانى
....أخبار النيابة إيه؟
هانى
مزهولا : دى مش أخبار نيابة .....دى أخبار الحوادث !
و يقفز صاحب البشارة المشؤمة فى الحوار : الحلاوة يا بيه
.. أنا مش هاخد أقل من تلاته جنيه , خمسة و سبعين ! .
*هانى منفجرا :
غور يا بوز الغراب .... يخرب بيتك و بيت جوابك .
الفتى : طب إتنين جنيه و ربع ( فيمضى الفتى ساخطا ...., و مهمهماً بكلمات غير
مفهومة )
الصديق : إيه يا هانى .....مش بلد مصيف برضه ؟
*هانى : آآآآه.... مصيف رسمى ....و مش أى مصيف ده
البحر الأحمر .
الصديق : طيب مالك يا عم , مين قدك !
هانى
: ما هو مش أى بحر أحمر .... دى الحته المحروقه اللى فيه ... حلاااااااايب حلايب ....أهه ... وحدة حلايب الطبية , نيابة إستثنائية
.... نفسية و عصبية , طبعا ما هو لازم
تكون كده , يعنى هيجيلى فحلايب جراحة تجميل !
و يلقى هانى الورقة بسخط قائلا : أنا من بكرة هروح الوزارة ....لأ
..أنا أروح أبات قدامها ... أما اشوف إزاى إترميت الرمية السوده دى ... ده أنا جيد
جدا مع مرتبة الشرف ...مرتبــــــة , مش مخدة الشرف . أمال لو كنت إنتساب كانو
ودونى فين ... بوركينا فاسو .
الصديق : لا يا خويا ..أهم كده ودوك بوركينا نفخوا....
أحمدك يا رب على كفر الحداية ...و ربنا يخلى لنا ميمون باشا القرد .
-----------------------------------------------------------
*** و فى مكتب المسؤل
الكبير بالوزارة ( مكتب عليه لافته ... السيد
/ بخيت أبو البخت – مسؤل كبير قوى
) , بدأ المسؤل الحوار , بطيبة متناهية النظير : خير يا بنى , أءمر , إحنا هنا
عشان راحتك ... أءمر , أى خدمة , راحتك أهم ما عندنا , و شعارنا الطبيب أولا
هانى
: أنا عايز......
المسؤل مقاطعا : عينيه يا بنى , أءمر , خير ...قول ما
تخفش .
هانى : عايز
.......
المسؤل: أنت تأمر .... بس إنت أشر .....و شبيك لبيك ... وزارة الصحة بين إديك
.....هاهاهاها نياهاهاهاه .
هانى
و بصوت منخفض : إيه ده , ياما أنت كريم يا رب , أنا باينلى فى مكتب المصباح السحرى , و ده الحج علاء الدين ,
( و يتشجع هانى قائلا : أنا كنت عاوز أغير النيابة بتعتى .
المسؤل منقلبا 180 درجة : إيه إيه يا روح أمك .
هانى
: خير يا فندم , ما إحنا كنا كويسين ... أ ُ مال فين الشعار
المسؤل صائحا : شعار إيه يا حبيبى ,
صحيح شعارنا هو الطبيب أولا .. بس بالنسبه
لى أول مين أدوسه بالجزمه
هانى
خائفا : طب ممكن أعرف أنا ليه روحت حلايب ؟!
المسؤل : حاضر يا خويا ....إستنى أما أطلعلك ....
هانى
مزعورا : إيه ....مطوة !
المسؤل متهكما : لا يا حبيبى .... اللوايح , على الله تعدلك ....ها........ جاوب
عالأسئله دى و إنت تعرف
س – النوع .... ذكر و لا أنثى ؟ شكلك تدى على ذكر .... إذن زميلتك أولى بمكانك ,
و مينفعش أودى إنسانة رقيقة مكان نائى , و
أسيب خنشور زيك نايم فى بيتهم .
س – ليك تجنيد ..... شكلك تنفع شيخ غفر ... إذن مينفعش
أديلك مكان حيوى و تسيبه و تروح الجيش . و لا تحب أجيبلك الجيش فى مكانك ؟
و أخيرا , إنت من مواليد 29 فبراير 84 , لو كنت 1 مارس
فما بعد كان فيه أمل
هانى
منفجرا : أ ُمال لو كنت مواليد 11 سبتمبر كنتم وديتونى فين .....دارفور .
( فاصل بموسيقى و أغنية حزينة مناسبه )
-----------------------------------------------------------
*** و يمضى هانى إلى قدره , و يصل لحلايب بعد عناء ...و
يفاجأ بالعيادة الخارجية للوحدة.....خيمه مرفوعة على قائمين .....و كل شىء فيها
على الأرض ... حتى الطبيب !
و كانت تعليمات الوزارة أن يعلن عن الخدمة الطبية دائما
و أن تكون بقيمة رمزية , كان الأعلان هو
أن يجلس هانى على الأرض مناديا – و أمامه أدواته الطبيه - : يلا قيس ضغطك بنص جنيه .... إعرف نبضك بربع جنيه .... حلل سكر بخمسة و سبعين .... يلا يا كلور . ( هانى
مستطردا : كلور إيه يا عم ....ده اللتر بجنيه و نص )
و يدخل عليه شخص مرتديا زى أهل البلده : سلام عليكم يا
داكتوور
هانى : و عليكم السلام و رحمة الله ... خير يا حج
الشخص : الأول نحب نتعرف , هو سيادتك دكتور من بتوع طب و لا بتاع حاجة تانى ؟
هانى متصبرا : لا ياعم ... بتاع طب الصبح , و بعد الضهر
صرماتى . خيير ؟
الشخص : و كمان صرماتى ...موهوب والله ... شكلك موهوب , بقى الحكاية يا بيه إنى معايا حبيبى الغالى تعبان فالبيت و كنت عاوزك تشوفه , بقاله 3 أيام
لا بياكل و لا بيشرب و كل ما أناديله ما بيرد عليه .
هانى
: هو عنده كام سنه يا عم
الشخص: يعنى ... يوم السوق اللى جاى يقفل 7 شهور
هانى
: يا عم إنت هتجننى ... 7 شهور إيه و يرد عليك
الشخص : يا بيه ده الغالى ده من ساعة ما أشتريته من 5 شهور و هو مالى البيت
بصوته الحلو
*هانى : لا إله إلا الله , أنتم رجعتم تجارة العبيد تانى , إنت من قبيلة مين يا عم
...بنو قينقاع !
الشخص: يابيه خلينا فى الغالى اللى
هيروح منى
هانى
: اللهم ما طولك يا روح , هو إبنك يعنى
الشخص : لا لا لا ... إخص عليك ... ده الغالى اللى كان حامينا و حارسنا .
هانى
: البواب يعنى ؟!
الشخص : يا خى عيب عليك ....لما هو
بواب أ ُمال أنا بأشتغل إيه ؟ ده الغالى حبيبى و حبيب العيال , اللى ما يتخير عن جنابك ..... ده شخروم .... الكلب بتاعنا .
هانى
منفجرا : إطلع بره يا إبن الغالى .... أما أنت راجل ...ولا بلاش بدل ما يعملوهلنا
قضية لجؤ سياسى .
= و يدخل عليه مريض آخر , يبدو عليه مزيج من علامات
الفلسفه و الغباء
م بتأنى مستفز : عــــمـــت مساءا يا أخا العرب
هانى : أهلا .... أهلا بأهل الجاهلية .... هو الإسلام
موصلش عندكم لسه يا عم ولا إيه ؟ خير يا
عم الغالى إنت التانى ؟
م
: أخوك جهلان الكاتب .... مشرف مشروع نـــ حو الأمية بالقرية .
هانى : أم م ... جهلان .... نــحو الأمية ....ماأحنا على إديك رايحين لها صاروخ .......أهلا بأهل العلم و
الثقافة.
م :
و الله يا بيه , المزين كان كاتب لولدى لبوس للحرارة , و نظرا لأنى قارى
و عارف خطورة الأدويه على المعدة و الجهاز الــهــ زمى , أنا جاى أستفسر ..
هانى
: أم م ...المزين و الجهاز الهزمى
.....قول يا عم المثقف , قول و قصر
م
: أه .... السؤال كان إيه .... كان إيه يا جهلان .....أه إفتكرت ... هو اللبوس بيتاخد قبل الأكل
و لا بعده , عشان معدة الواد ضعيفة !
هانى ( و يكاد يغشى عليه ) : لأ ... بيتاخد
تحت اللسان يا عم أبو جهل .... قوم من وشى بدل ما أولع فيك و فيه و فى
الخرابة اللى عاملينهالكم .
م بقرف : يا عم روح , والله ما انت فاهم حاجة . أنا أروح
للمزين يفهمنى أحسن .... بيجيبوهم منين و يصدعونا
بيهم دول .
هانى . غوور .....غووور ......إيه ده , والله ما أنا قاعدلكم
فيها .... أن شا الله يعدمونى مش يفصلونى .
*** و يحزم هانى أمتعته , عائدا رأسا إلى مكتب السيد / بخيت
و يدخل هانى على الرجل بغضب :
المسؤل : أهلا
..هو إنت.. مش برضه دكتور هانى .
هانى
: ده كان زمان , أنا أسمى دلوقتى مش هانى ... مرمطانى , بهدلانى ...و أدى شعاركم
ختم باتا معلم على قفايا .
المسؤل : ماشى ....صباح الخير يا سيدى
هانى
: صباح الزفت ,
المسؤل : إيه ده يا أفندى .... إنت إتجننت ؟
هانى
: أنا أبقى إتجننت لو رجعت هناك تانى . أنا جاى من هنا و مش طالع من غير ما أخد
أجازة بمرتب ... أقولك ...بدون مرتب .... إيه رأيك أفصلونى خالص , و كده كده رايح
الجيش و هرتاح منكم .... أهه نار الجيش و
لا جنة الصحة .
المسؤل : يا سلام إنت تأمر .... هدى نفسك .... صحيح ما لكش لزمه .. بس أديك
محسوب على أهلك نفر .
( و يأخذ هانى الورقه و يخرج , و يعود معقبا : بالحق يا
بيه مين الغبى اللى سماك أبو البخت , كان حقهم يسموك منحوس أبوالنحس ..متعيس أبو التعس
المسؤل صائحا : إطلع بره ... ده إحنا مودينك مكان تاكل فيه الشهد ....كشف على
إنس .. على حيوان ... على أشتاتا أشتوت ... حد لاقى يخاوى !
-----------------------------------------------------------
و تمر الايام و يدخل هانى الجيش مع دفعته , و تمر أيام
مركز التدريب قاسية , إلى أن جاء يوم
الترحيل , و أثناء جلوسه مع كام دفعه ... يناجى هانى أحلامه : يــــاه لو الواحد يروح حته مرتاحه .... مش
كفاية اللى شافه الواحد فى خراييب .... قصدى حلاييب .
( و يأتى صوت الصول مجلجلا من الخارج : سريه طبية .... إستعد....
إستعد للترحيل.... مخالى شل
هانى متلهفا :
خير يا فندم طمننى .....
أبشر يا داكتور منك ليه .... رايحين أماكن صحيه
هانى : بلاش سيرة صحية و حياة أبوك , أنا كرهت كل حاجه
صحية , من أول النيابة لحد كبانيه الصرف الصحى
ص: إخرس يا عسكرى ... دا أنت رايح مكان هَــنـَـا .. لا
قائد بيروحه ولا تفتيش بيعدى عليه ... و شمس و هوا و طراوه ...ده فيه ناس مش عارفه
إن كان تبعنا ولا تبع الجيران !
هانى : إخلص يا عم ....يعنى موديينا دريم لاند ؟
ص : أبشر ......
نقطة حلااااايب الطبية .
هانى بهستريا :
يا حاتم ..... يا مدحت ...... يا أحمد.... فكرونى بسرعة .... هو اللبوس
بيتاخد إيه .... عضل و لا وريـــــد؟؟؟!.........جايـــــــلك يا شخروم يا
غــــالى !
مع تحياتى
ط.م./ أحمد مختار
أبودهب
قسم الأشعة التشخيصية-
كلية طب سوهاج
2006