Saturday, December 27, 2014

الطريق ....... الى الصحة !!!!

( الطريق إلى .....الصحة ! )

كان يوما من أجمل أيام العمر ..... يوم العطاء ....يوم ينال كل من صبر .....يوم حفلة التخرج , و بعد الحفلة توجه الطبيب  هانى  مرتديا روبه الأسود و غطاء الرأس المميز للخريجين , و توجه إلى أفضل ستوديو بالمدينة .
 و فى الأستوديو وجه  " هانى " تعليماته الطبية للمصور قائلا :
عاوز صور تنفع أفيشات أفلام ....بس مش من بتاعة روتانا سينما .....مش ناقصين فضايح ... أنا مش هانى سرحان  !
( إلتقط المصور العديد من الصور ل هانى و كأنه لاعب كمال أجسام  أو هتلر أيام الحرب العالمية )
و بعد أن فرغ من صوره , نظر إلى الشهادة بفخر قائلا : الحمد لله ....أخيرا .....يخرب بيتك ....طلعتى عنينا علشان ناخدك ......هو الواحد نظر أهله راح من قليل !
ثم أردف قائلا : كده الواحد ينام و يحلم بإستلامه نيابه فالجامعة ....أنا عارف أخروا ظهور نـتيجتها ليه ....بس يلا يعنى هكون أقل  من  " راضى "  اللى كان دور تانى و خدوه نايب جراحة سنيور لما ملقوش حد يدخلها , و كمان إتعين معيد لما إستقال أغلب النواب ....أكيد يالا يا هانى هتجيلك حاجة تبقى بيها باشا .....باااشااااا.
-------------------------------------------------------
و فى اليوم التالى , و أثناء ما كان يشدو العندليب قائلا ( لـــكن سماءك ممطرة و طريقك مسدود مسدود .......يا ولدى ) , يرن جرس الموبايل كأنه هزيم الرعد , و يستمع هانى لمحدثة الذى يقول :
معلش يا هانى .... هارد لـــَـك يا حبيبى   الجامعة خدت 12 نايب فى كل قسم ....من الأقسام اللى إنت ما كاتبهاش .....و لا قسم من رغباتك خد نــــــــواب !
هانى ( مخاطبا صوت عبدالحليم  ) :    بااااااس يا عم .....قفلتها  .........أهى إتسدت رسمى .....كده الواحد هياخد إستمارة 6 عالصحة.....هه ......صحة و عافية يا خويا .
--------------------------------------------------------

** و فى جلسة مع أصدقاء الكفاح , يسأل هانى أحد أصدقاءه ( من اللى بيعرفوا كل حاجه ....و هما " أجهل من ....دابه" )
= هانى :  إيه أخبار نيابات الصحة يا عم ....إنت مش فيه حد من قرايبك بيشتغل  " كلب بوليسى " قدام  وزارة الصحة .

=الصديق : إطمن يابو دم خفيف ....النيابات السنه دى نازله كتيييييير .. ده إحتمال يدو كل واحد 3 تخصصات مع بعض... و الأماكن إنت و راحتك ..... زى ما يعجبك .
= هانى :  يا سلام .. هو ده الشغل ... كده الواحد يشوف له بلد ساحلى و لا سياحى ..... الحمد لله إن ربنا رحمنى من الجامعة ...أنا إيه اللى عليا إن واحد أكبر منى بسنه ولا إتنين  يخلينى أكنس القسم صبح و ليل .... وحضر حالات ....... حضر لستة عمليات ..... حضر ماجستير .... حضر عفاريت .
(و تعلن الوزارة عن بدء التقديم عن النيابات الأستثنائية , للأطباء الذين أفنوا حياتهم فى دراسة الطب , و فاتهم قطار الجامعة بمحطات قليلة ) .
= هانى يحدث نفسه , أثناء ملأ إستمارة الرغبات :           يلا ياعم .... أول رغبة .... مصيف ...يبقى البحر الأحمر ....لزوم الدلع و البحر .....يبقى جلدية
..ثانى رغبة .....برضة مصيف ....إسكندرية ....لزوم الهوا ....تبقى صدرية          , ثالث رغبة ......برضه مصيف .......إسماعيلية .....لزوم الشمس .....تبقى شمسية .
زميله رادا :  إيه يا عم شمسية إيه .....هى كلمات متقاطعة  !
هانى : إسكت يا عم إنت مش فاهم حاجة , خليك إنت بس 3 أيام  ريف كفر الحداية وتلاته وحدة  قرية ميمون باشا القرد ....روح يا عم شوفلك حد يسرح بيك فالموالد  .

و تمر الأيام ....و فى يوم ما , يسمع هانى  صوتا مهللا و مناديا :   داكتور هانى .... يا داكتور هانــــــــــى ....يا داكتووووور  . مبرووووك ... جواب التعيين وصل .... إيدك عالحلاوة .

*هانى مهللا  : هييه .... يحيى العدل ... دقوا الشماسى , نيابة المصيف وصلت   و ياللـ ـى عــالــتــ ــرعة حــ ـود عـالمــ ــالح , ( و يفتح المظروف متلهفا , و عينى صديقه و صاحب البشرى تنظر بلهفة )
و تظهر علامات الزهول على وجهه , فيسأله صديقه قائلا :  هانى ... نيابة إيه .....هانى ....أخبار النيابة إيه؟
هانى مزهولا : دى مش أخبار  نيابة .....دى  أخبار الحوادث !
و يقفز صاحب البشارة المشؤمة فى الحوار : الحلاوة يا بيه .. أنا مش هاخد أقل من تلاته جنيه , خمسة و سبعين !  .
*هانى منفجرا :  غور يا بوز الغراب .... يخرب بيتك و بيت جوابك .
الفتى : طب إتنين جنيه و ربع ( فيمضى الفتى ساخطا ...., و مهمهماً بكلمات غير مفهومة )
الصديق : إيه يا هانى .....مش بلد مصيف برضه ؟
*هانى : آآآآه.... مصيف رسمى ....و مش أى مصيف ده البحر الأحمر .
الصديق : طيب مالك يا عم , مين قدك !
هانى : ما هو مش أى بحر أحمر .... دى الحته المحروقه اللى فيه ... حلاااااااايب     حلايب ....أهه ... وحدة حلايب الطبية , نيابة إستثنائية .... نفسية و عصبية ,  طبعا ما هو لازم تكون كده , يعنى هيجيلى فحلايب جراحة تجميل !
و يلقى هانى الورقة بسخط قائلا :                                أنا من بكرة هروح الوزارة ....لأ ..أنا أروح أبات قدامها ... أما اشوف إزاى إترميت الرمية السوده دى ... ده أنا جيد جدا مع مرتبة الشرف ...مرتبــــــة , مش مخدة الشرف . أمال لو كنت إنتساب كانو ودونى فين ... بوركينا فاسو .
الصديق : لا يا خويا ..أهم كده ودوك بوركينا نفخوا.... أحمدك يا رب على كفر الحداية ...و ربنا يخلى لنا ميمون باشا القرد .
-----------------------------------------------------------
*** و فى  مكتب المسؤل الكبير بالوزارة  ( مكتب عليه لافته ... السيد / بخيت أبو البخت  – مسؤل كبير قوى ) , بدأ المسؤل الحوار , بطيبة متناهية النظير : خير يا بنى , أءمر , إحنا هنا عشان راحتك ... أءمر , أى خدمة , راحتك أهم ما عندنا , و شعارنا الطبيب أولا 
هانى : أنا عايز......  
المسؤل   مقاطعا : عينيه يا بنى , أءمر , خير ...قول ما تخفش .
هانى :  عايز .......
المسؤل: أنت تأمر .... بس إنت أشر .....و شبيك لبيك ... وزارة الصحة بين إديك .....هاهاهاها نياهاهاهاه .
هانى و بصوت منخفض : إيه ده , ياما أنت كريم يا رب , أنا باينلى فى مكتب  المصباح السحرى , و ده الحج  علاء الدين ,  ( و يتشجع هانى قائلا : أنا كنت عاوز أغير النيابة بتعتى .
المسؤل منقلبا 180 درجة : إيه إيه يا روح أمك .
هانى : خير يا فندم , ما إحنا كنا كويسين ... أ ُ مال فين الشعار
المسؤل  صائحا : شعار إيه يا حبيبى , صحيح  شعارنا هو الطبيب أولا .. بس بالنسبه لى أول مين أدوسه بالجزمه
هانى خائفا : طب ممكن أعرف أنا ليه روحت حلايب ؟!
المسؤل : حاضر يا خويا ....إستنى أما أطلعلك ....
هانى مزعورا : إيه ....مطوة !
المسؤل متهكما : لا يا حبيبى .... اللوايح , على الله تعدلك ....ها........ جاوب عالأسئله دى و إنت تعرف 
س – النوع .... ذكر و لا أنثى ؟  شكلك تدى على ذكر .... إذن زميلتك أولى بمكانك , و مينفعش أودى إنسانة رقيقة مكان  نائى , و أسيب خنشور زيك نايم فى بيتهم .
س – ليك تجنيد ..... شكلك تنفع شيخ غفر ... إذن مينفعش أديلك مكان حيوى و تسيبه و تروح الجيش . و لا تحب أجيبلك الجيش فى مكانك ؟
و أخيرا , إنت من مواليد 29 فبراير 84 , لو كنت 1 مارس فما بعد كان فيه أمل
هانى منفجرا : أ ُمال لو كنت مواليد 11 سبتمبر كنتم وديتونى فين .....دارفور .
( فاصل بموسيقى و أغنية حزينة مناسبه )
-----------------------------------------------------------
*** و يمضى هانى إلى قدره , و يصل لحلايب بعد عناء ...و يفاجأ بالعيادة الخارجية للوحدة.....خيمه مرفوعة على قائمين .....و كل شىء فيها على الأرض ... حتى الطبيب !
و كانت تعليمات الوزارة أن يعلن عن الخدمة الطبية دائما و أن تكون بقيمة رمزية  , كان الأعلان هو أن يجلس هانى على الأرض مناديا – و أمامه أدواته الطبيه - : يلا قيس ضغطك  بنص جنيه .... إعرف نبضك بربع جنيه ....  حلل سكر بخمسة و سبعين .... يلا يا كلور . ( هانى مستطردا : كلور إيه يا عم ....ده اللتر بجنيه و نص )
و يدخل عليه شخص مرتديا زى أهل البلده : سلام عليكم يا داكتوور
هانى : و عليكم السلام و رحمة الله ... خير يا حج
الشخص : الأول نحب نتعرف , هو سيادتك دكتور من بتوع طب و لا بتاع حاجة تانى ؟
هانى متصبرا : لا ياعم ... بتاع طب الصبح , و بعد الضهر صرماتى . خيير ؟
الشخص : و كمان صرماتى ...موهوب والله ... شكلك موهوب , بقى الحكاية  يا بيه إنى معايا حبيبى الغالى  تعبان فالبيت و كنت عاوزك تشوفه , بقاله 3 أيام لا بياكل و لا بيشرب و كل ما أناديله ما بيرد عليه .
هانى : هو عنده كام سنه  يا عم
الشخص: يعنى ... يوم السوق اللى جاى يقفل  7 شهور
هانى : يا عم إنت هتجننى ... 7 شهور إيه و يرد عليك
الشخص : يا بيه ده الغالى ده من ساعة ما أشتريته من 5 شهور و هو مالى البيت بصوته الحلو
*هانى : لا إله إلا الله , أنتم رجعتم  تجارة العبيد تانى , إنت من قبيلة مين يا عم ...بنو قينقاع !  
الشخص: يابيه خلينا فى الغالى  اللى هيروح منى
هانى : اللهم ما طولك يا روح , هو إبنك يعنى
الشخص : لا لا لا ... إخص عليك ... ده الغالى  اللى كان حامينا و حارسنا .
هانى : البواب يعنى ؟!
الشخص : يا خى عيب عليك  ....لما هو بواب أ ُمال أنا بأشتغل إيه ؟  ده الغالى  حبيبى و حبيب العيال , اللى ما يتخير عن جنابك  ..... ده شخروم .... الكلب بتاعنا .
هانى منفجرا : إطلع بره يا إبن الغالى .... أما أنت راجل ...ولا بلاش بدل ما يعملوهلنا قضية لجؤ سياسى  .
= و يدخل عليه مريض آخر , يبدو عليه مزيج من علامات الفلسفه و الغباء
م  بتأنى مستفز : عــــمـــت مساءا يا أخا العرب  
هانى : أهلا .... أهلا بأهل الجاهلية .... هو الإسلام موصلش عندكم لسه يا عم ولا إيه ؟  خير يا عم الغالى إنت التانى ؟
م : أخوك جهلان الكاتب .... مشرف مشروع نـــ حو الأمية بالقرية  .
هانى : أم م ... جهلان .... نــحو الأمية ....ماأحنا على إديك  رايحين لها صاروخ .......أهلا بأهل العلم و الثقافة.
م :  و الله يا بيه , المزين  كان كاتب لولدى لبوس للحرارة , و نظرا لأنى قارى و عارف خطورة الأدويه على المعدة و الجهاز الــهــ زمى , أنا جاى أستفسر ..
هانى : أم م ...المزين و  الجهاز الهزمى  .....قول يا  عم المثقف , قول و قصر
م : أه .... السؤال كان إيه .... كان إيه يا جهلان  .....أه إفتكرت ... هو اللبوس بيتاخد قبل الأكل و لا بعده , عشان معدة الواد ضعيفة !
هانى ( و يكاد يغشى عليه ) :  لأ ... بيتاخد  تحت اللسان يا عم أبو جهل .... قوم من وشى بدل ما أولع فيك و فيه و فى الخرابة اللى عاملينهالكم .
م بقرف : يا عم روح , والله ما انت فاهم حاجة . أنا أروح للمزين  يفهمنى أحسن .... بيجيبوهم منين و يصدعونا بيهم  دول .
هانى . غوور .....غووور ......إيه ده , والله ما أنا قاعدلكم فيها .... أن شا الله يعدمونى مش يفصلونى .
*** و يحزم هانى أمتعته , عائدا رأسا إلى مكتب السيد / بخيت
و يدخل هانى على الرجل بغضب :
المسؤل  :   أهلا ..هو إنت.. مش برضه دكتور هانى .
هانى : ده كان زمان , أنا أسمى دلوقتى مش هانى ... مرمطانى , بهدلانى ...و أدى شعاركم ختم باتا معلم على قفايا .
المسؤل :  ماشى ....صباح الخير يا سيدى
هانى :  صباح الزفت ,
المسؤل : إيه ده يا أفندى .... إنت إتجننت ؟
هانى : أنا أبقى إتجننت لو رجعت هناك تانى . أنا جاى من هنا و مش طالع من غير ما أخد أجازة بمرتب ... أقولك ...بدون مرتب .... إيه رأيك أفصلونى خالص , و كده كده رايح الجيش و هرتاح منكم .... أهه نار الجيش  و لا جنة الصحة .
المسؤل : يا سلام إنت تأمر .... هدى نفسك .... صحيح ما لكش لزمه .. بس أديك محسوب على أهلك نفر .
( و يأخذ هانى الورقه و يخرج , و يعود معقبا : بالحق يا بيه   مين الغبى اللى  سماك أبو البخت , كان حقهم يسموك  منحوس أبوالنحس ..متعيس أبو التعس
المسؤل صائحا : إطلع بره ... ده إحنا مودينك مكان تاكل فيه الشهد ....كشف على إنس .. على حيوان ... على أشتاتا أشتوت ... حد لاقى يخاوى !
-----------------------------------------------------------
و تمر الايام و يدخل هانى الجيش مع دفعته , و تمر أيام مركز التدريب قاسية , إلى أن جاء يوم  الترحيل , و أثناء جلوسه مع كام دفعه ... يناجى هانى أحلامه :      يــــاه لو الواحد يروح حته مرتاحه .... مش كفاية اللى شافه الواحد فى خراييب .... قصدى حلاييب .
( و يأتى صوت الصول مجلجلا من الخارج : سريه طبية .... إستعد.... إستعد للترحيل.... مخالى شل
هانى متلهفا :  خير يا فندم طمننى .....
أبشر يا داكتور منك ليه .... رايحين أماكن صحيه
هانى : بلاش سيرة صحية و حياة أبوك , أنا كرهت كل حاجه صحية , من أول النيابة لحد كبانيه الصرف الصحى
ص: إخرس يا عسكرى ... دا أنت رايح مكان هَــنـَـا .. لا قائد بيروحه ولا تفتيش بيعدى عليه ... و شمس و هوا و طراوه ...ده فيه ناس مش عارفه إن كان تبعنا ولا تبع الجيران !
هانى : إخلص يا عم ....يعنى موديينا دريم لاند  ؟  
ص :  أبشر ...... نقطة حلااااايب الطبية .
هانى بهستريا :  يا حاتم ..... يا مدحت ...... يا أحمد.... فكرونى بسرعة .... هو اللبوس بيتاخد إيه .... عضل و لا وريـــــد؟؟؟!.........جايـــــــلك يا شخروم يا غــــالى !  



مع تحياتى
ط.م./ أحمد مختار أبودهب
قسم الأشعة التشخيصية- كلية طب سوهاج
2006 

Friday, December 19, 2014

مــــــــــلائــــــــكـــة.....الـــــجــحـــــيـــم



* مــــــــــلائــــــــكـــة.....الـــــجــحـــــيـــم *

قصة خيالية...... من وحى الواقع المرير المتفاقم يوما بعد يوم تبعا لما تمر به البلاد ............ لم تحدث .....و لكنها لا يستبعد ان تحدث ....فتتحول ملائكة الرحمة .......... الى ملائكة الجحيم !!!!
__________________________________________________________

-         طلع كل اللى فى جيبك يااااااد !!!!
نطق ذاك الشاب جملته بفظاظة بينما يده تضغط رقبة الدكتور "اكرم نصار" بنصل مدية حادة من تلك التى اصبحت تباع فى سائر المتاجر المصرية فى تلك الحقبة العصيبة من تاريخ مصر.

كان الظلام يلف المكان الا من بعض انوار السيارات القليلة الذاهبة او العائدة التى تمر اطيافها سريعا و من ثم يعود الظلام نظرا لانقطاع التيار الكهربائى المتكرر يوميا و بشكل عشوائى بسائر ربوع البلاد !!!!!

- يااااااد هو ده كل اللى فجيبك .....امال دكتور و راكب لى عربية جديدة !!!!!
زاد الشقى ضغطة النصل على رقبة الدكتور "اكرم" الذى خفق قلبه فى سرعة و قوة من شدة الغيظ .....و الخوف ايضا ....باغتة احد الشباب المسلحين بضربة على مؤخرة عنقة بالة حادة , عندما شاهدوا اضواء سيارة الشرطة تلوح من بعيد ......... ترنح اكرم و بدأ يشعر بالدم الحار يسيل على ظهره و ملابسه ....... تعلقت عيناه باضواء سيارة الشرطة البعيدة , كانت تتقدم ببطء ..... زادت صعوبة الموقف من بطئها ...... توقف الضوء مكانه قليلا .....ثم اخذ فى الابتعاد !!!!!

- هههههه....... لينا نصيب ناخد رزقنا يا رجالة !!!!
عاد الشبان الثلاثة الى سيارة "اكرم" التى تمدد صاحبها الى جوارها....... تعاطفت السيارة مع صاحبها ..... ابت ان تدور محركاتها على يد اثمة !!!!
- ده انت عربية بنت مــــ.........!!!!
 أخذ  "جودة  " زعيم التشكيل الذى لم يتجاوز سنة منتصف العشرينات  يسب بما يتناسب مع بيئته و طبيعته...و ملامحه  ......نزل من السيارة ........ لاحظ ان اكرم قد بدأ يسعل بشدة ممسكا جانب صدره الايمن ........
- هتموت يا حيلتها ....يلا غووور ......
ركل "اكرم" فى صدره و يده التى كانت تمتد الى جوار السيارة حيث سقطت علبة دواء القلب الخاصة به ........اختطف "جودة"  العلبة من يده و القاها فى المجرى المائى المجاور للطريق ......لمح اكرم ذاك الطفل الصغير الباكى و المكمم الذى كان فى سيارة المجرمين ......زادت نظرته المرعوبة من الام قلبه التى تحولت الى سهام القاها الى وجه "جودة"......."عماد " و "فوزى".....اخترقت اسماءهم ذاكرته ...اخترقت نظرات أكرم ذلك الجرح الغائر على يمين وجنة "جودة" ......حفر ملامحها فى ذاكرته ....
- سكتو ابن الــــ........ لما نشوفوا هيجيب تعبه و لا  لا !!!!!! 
اشار جودة الى حيث الطفل الذى يئن و يبكى من شدة الخوف ,
تعلقت عينا "أكرم"  بحزن شديد بالطفل المسكين و هو يتلقى الصفعات من اولائك المجرمين ....كان اخر مشهد حفر بداخله.... و ساد ظلام دامس حوله , غلف كل شىء!!!!!!

-          -           -          -           -            -          -           -           -          -
-
البقاء لله يا  اخواننا ........شدوا حيلكم!!!!!
نطق طبيب عناية القلب كلماته برصانة مبلغا اولائك المصطفين امامه فى قلق واضح ......
ملأ الصراخ و العويل تلك الطرقة امام  عناية القلب باحدى المستشفيات الجامعية ............ و فى اوج الهرج ........ فتح "اكرم" عينيه !!!!
-  أنا فين .......... ايه اللى حصل !!!!!
كتم الدكتور "محمد الحديدى "  فرحته مراعاة لاهل ذلك المريض الذى فارق الحياة منذ دقائق ,  لقد استرجع صديقه وعيه بعد ثلاثة ايام من تعرضه لحادث السطو المسلح اثناء عودته من عمله ليلا   , تهللت اساريره  لعبور صديقه تلك الازمة القلبية و عدم تفاقم جروحه .
- انت هنا يا ناصر ........ايه اللى حصل  ؟؟!
نطق اكرم كلماته بصوت حزين و عميق.......و صارم و هو ينظر الى صديقه الذى كان يجلس بجوار سريره
- الحمد لله يا اكرم ........ده انت اتكتب لك عمر جديد .....الحمد لله ....الحمد لله !!!!

لم يركز ذهن اكرم فيما حدث بعد ذلك من فرحة الاهل ......تهافت زملاءه للاطمئنان عليه ......و لا حتى فى فشل المجرمين فى سرقة سيارته - التى لم يدفع الا بضع اقساط من ثمنها - نظرا لذلك النظام التأمينى السرى فيها .......... فقط تعلق ذهنه بنظرة الطفل المرعوب .......ذاك الطفل المختطف ............ و تلك العلامات الغائرة التى تشبه الحروف العبرية المقيتة على وجه المجرم !!!!!!!
 -     -      -      -      -      -      -            -     -      -       -        -       -
- بااااااااااس...... كفاية يا عــــــم ارحم نفسك !!!!
تهدجت كلمات "ناصر " صديق طفولة أكرم  و رفيق ايامه , لانه لم يستطع مجاراة صديقة و هم يركضون سويا فى ذلك الملعب الواسع ......... اخذ يعيد عليه اهمية الا يثقل على نفسه فى الرياضة و ان يكون ذلك تدريجيا .......و تعجبه من قسوته على نفسه فى عودته الى الرياضة من يوم ان شاهد خبر العثور على جثة طفل صغير باحد المجارى المائية ..........اشار اكرم بيده فى حزن الى صديقه , و قبل ان يتكلم  قطع حوارهما رنين هاتف اكرم الذى اجاب فى سرعة ببضع كلمات قائلا :
الو......لا انا مش نبطشى .......حادثة ......مش هيقدر ييجى .....طيب انا جنبكم , انا جاى حالا !!!!!
-         حظك حلو هتترحم من كام لفة تانى !!!!!
كانت كلماته مرحة المعنى لكنها حملت العكس تماما فى الاسلوب, ابتسم بحزن تاركا صديقه ينظر اليه بتعجب و توجه الى حيث سيبدل ملابسه ......و نسى حتى ان يتجمل على صديقه ان يوصله بسيارته .....التى نجت هى و صاحبها منذ شهور.....هما فقط  !!!!!
-    -     -    -     -     -     -     -     -     -     -    -    -
- الف سلامة ليك .
ردد اكرم كلماته فى ود لذاك الشاب الذى كان يفحص بطنه بجهاز الموجات فوق الصوتية فى عناية و لم يلتفت الى ملامح وجهه مع ذاك الضوء الخافت الذى يعمل به عادتا  .....كان يركز بعمق فى تلك الشاشة التى امامه حتى لا يفلت منه خطأ صغير فى التشخيص قد يضر المصاب.
 - هو ايه اللى حصل معاك !!!!!
رد الشاب فى تأوه .......حادثة موتوسيكل .......
- الف سلا.....!!!!!
قطع اكرم كلماته و كأن كلمات المصاب اخترقت اذنيه بقوة ....... توقف عن فحص المصاب بغتة ......نظر الى وجهه .......انتفض قلبه فى قوة و عنف .....و كادت يده ان تحطم المجس الذى فى يده ..... انها تلك الجروح الغائرة ........ الـــعـــــبرية الشكل !!!!!
"اقسم بالله العظيم .........ان اصون .........."
اخذت تتردد فى ذهنه مقاطع قسم الطبيب ....... بينما توالى دخول المصابين للفحص ......بل توالى دخول افراد العصابة ......واحدا تلو الاخر . و مع انتهاءه من فحص اخر حالة ...... رنت فى اعماقه جملة "و ان ابذل رعايتى للعدو و الصديق ..........."
هز رأسه بعنف و بقوة ........... تذكر انه لم يردد هذه الفقرة من القسم , بينما كان يرددها كل من حوله من زملاءه , لم يدر وقتها لماذا سكت .....و لكنه الان شعر انه بدأ يعرف !!!!
دخل الى غرفته .......تناول معطفه الابيض ......نظر اليه بعمق , و كأنه يلقى عليه نظرة وداع !!!!!
                        -                 -             -              -               -            -
تسلل ذاك الشبح الاسود الى عنبر رقم 7 بإستقبال الطوارىء و الحوادث فى جنح الظلام .......... اقترب من احد المرضى , تناول طرف الانبوب الخارج من انف ذاك الشاب الاسمر  ....... و انهمك فى حقن مكونات ذاك المحقن الكبير .....الذى ابدت مكوناته وميض خفى , رغم الظـــــــلام !!!!
انتقل فى خفوت  الى السرير التالى ........و تناول تلك القسطرة البولية فى خفة ......و حقن بداخلها محقن اخر لمادة نفاذة الرائحة ........رائحتها تشبه رائحة الموت !!!!!
انهى مهمته فى سرعة و خفة مع الشابين .....استدار ليعود ......... لكنه عاد و القى نظرة على ذاك الجرح الغائر.....رآه بوضوح رغم الضوء الخافت جدا القادم من خارج المبنى .......ثم ذاب وسط الظلام!!!
-          -             -           -              -              -            -              -         -
اخذ جهاز الرنين المغناطيسى يصدر ازيزه المعتاد اثناء فحصه لذاك الشاب المصاب فى ذاك الحادث منذ يومين ....... و فجأة بينما قارب الفحص على الانتهاء بعد اكثر من ربع ساعة  بدأ ذاك الشاب يتلوى فى الم ,.....
."إهدا يا فوزى .....بطل حركة لو سمحت .....كده فحصك هيبوظ"
 لم يعر تنبيهات العاملين على الجهاز اهتماما .... .......... بدأ يصرخ فى قوة .......... بينما بدأت تلك النصال الصغيرة الحادة الصلبة تحاول مغادرة معدته و امعاءه متجهة بقوة كبيرة تجاه ذاك المغناطيس الضخم الذى يتكون منه الجهاز .......و محدثة قطاعات عشوئية و متعددة فى جدار جهازه الهضمى ......... تم ارساله الى قسم الجراحة سريعا ..........و فى غرفة العمليات تعجب الجراح من تلك السنون المعدنية التى بدت و كأنها اسنان مشارط تم تكسيرها بعناية ....... لاحظ الجميع ذاك التآكل العام فى جدار المعدة و كأنه نتيجة حمض قوى ......... و لكن اهتمامهم اتجه فجأة و بقوة الى جهاز رسام القلب الذى توقف عن صعوده و هبوطه ....... و كأنه يعلن نجاح المهمة الأولى !!!!
 -          -           -          -           -           -           -           -           -           -
أمسك "عماد"  ذاك الشاب الاسمر ذو الشعر الطويل المجعد و الاسنان المصفرة  اسفل بطنه بقوة و جحظت عيناه و هو يصرخ من الالم الرهيب الذى انتابه .......... لقد بدأ جلده فى الاسوداد ........ و بدأت قطرات البول تتسرب من شقوق فى جلده , وسط تعجب طبيب المسالك الذى تولى فحصه بعنايه .......... و زاد تعجبه عندما لاحظ انبعاث رائحة الفورمالين من قطرات البول المتسربة .......... من جدار البطن الذى كان يتأكل و يسود بشكل رهيب ......و مفزع !!!!!
و داخل غرفة العمليات ............... ما ان دخلها  "عماد" , الا و طالع وجه "فوزى " قبل ان يغطونه بعد وفاته .......... امتقع وجهه بشكل عجيب و مخيف .......و ازداد تسرب تلك القطرات من جدار بطنه ...........لم تتوقف الا مع توقف نبضه ......و الى الابد !!!!
--------------------------------------------------------------------------------------
"جودة .....جودة .......جوووودة ...... ليك فحص متابعة فى قسم الاشعة "
القت تلك الممرضة الشابة تعليماتها الى جودة , الذى استيقظ من ثباته العميق بصعوبة بعدما حل ظلام الليل  نتيجة مفعول المخدر القوى الذى حقنه به الاطباء بجرعة زائدة حتى تجدى فى تسكين الامه و ليتغلبوا على تعوده للمواد المخدرة ......... فين فوزى ...فين عماد !!!
لم يتلقى ردا من احد ...لانه لم يكن هناك احد حوله ........... نزل "جودة" سائرا على قدميه  الى جوار احدى ممرضات القسم .......... ثم قاده احد العاملين بقسم الاشعة الى  اخر غرفة فى القسم الجديد الذى يبدو انه ما زال تحت الانشاء ........ سار مسافة ليس قليلة ........ تمدد على الجهاز حيث اشار له الرجل ....خرج الرجل و اغلق الباب خلفه ...بدأ ذاك الجزء الضخم اعلاه ينزل تدريجيا نحوه ....... لامس صدره و بطنه ........بدأ يجثم عليه ........
-         يا دكتوووووووووور !!!!
صرخ بخوف .........
-         ايه ........ خفت !!!!
 جاءه صوت من خلف وحدة تحكم الجهاز , لم يشاهد صاحبه , فاجاب بلهفه :
-         اصله كاتم على نفسى و ارفعه يا عم .....خبر ايه ؟!!!
جاءته الاجابة فى صورة ضحكة شامتة .......و مخيفة ......و انطفأ نور الغرفة .....عدا ضوء خافت ....خلف حاجز معدنى فى احد جوانبها
-         قتلتو الواد الصغير ليه ؟؟
انتفض جسمه بعنف , الا انه لم يتسطع ان يتحرك من تحت ذاك الجهاز الذى احكم اطباقه عليه , صرخ قائلا : قتلنا مين ......... انت مين انت !!!!
لم يجبه صاحب الصوت .........الا ان الاجابة جاءت فى صورة مزيد من انضغاط الجهاز على اضلاعه ....... صرخ من جراءها قائلا :
يلعن ديـــــ............ !!!!!
لم يكمل كلماته من جراء تلك الصفعة الخاطفة التى انفجرت على اذنه ........على تلك الجروح الغائرة القديمة....ذات الشكل المميز
-         يا نااااااااااااااااس ......الحقووووووووونى
جاءته الضحكة الساخرة اكثر عمقا ...... ترددت بقوة فى المكان المغلق ......... و اعقبها صاحبها بكلماته قائلا : صرررررررررخ زى ما انت عاوز...... الحيطان هنا مرصصة ....... و عاااااازلة للصوت ......... ثم تابع ضحكته بشكل مفتعل !!!!
- ابوس ايدك ........... سيبنى ...عاوز ايه منى !!!!
جاءته الاجابة فى صورة قبضة مثل المطرقة ....حطمت بعض اسنانه الامامية و اعقبها صوت صاحب القبضة هادرا و قد تغيرت نبرته بشكل مخيف قائلا :
و انت ما سيبتش الواد الغلباااااان ليييييييييه ............ لييييييييييه؟؟؟؟!
و اخذ يحطم بقبضته فى انف و فك "جودة " و كأنه يدك ثمرات من البصل ......لم يتعاطف لحظه لصراخه ......... و لم يوقفه ذاك الدم المتناثر بقوة مع كل لكمة .....كانت كل لكمة و كانها تتضاعف قوة .........الى ان فقد جودة الوعى !!!!!
- إصحى ....يا روح ...........!!!!
افاق جودة صارخا  على ذاك الماء المغلى على وجهه , و على طعم الدم فى فمه و جوفه , و صرخ متوسلا ...... حرام عليك ....حرام عليك ....ايه ......... ده انا لو ......!!!!
اتقطعت كلماته بقوة مع انتفاضته جراء ذاك التيار الكهربى الذى مر بجسده .........انتفض من الكهرباء و.... من تعجبه عن مصدر الكهرباء .....و اثناء انتفاضه لمحت عينيه ذاك الوجه ......... انه احد الذىن حاولو سرقته و قتله منذ عدة شهور ......و تضاعفت علامات الرعب على وجه المجرم ......لان ذاك الطبيب .....كان " أكرم نصــــــار" !!!!!
______________________________________________________
....مع بداية ضوء الصباح ......صرخ احد العمال ......فقد كشف ذاك الضوء عن هذه الجيفة التى اخفاها ظلام الامس ......
-  الــــــــــحقونــــــــا...... فيه واحد واقع من فوق !!!!
و داخل ذلك الساحة بين مبانى المستشفى ......... تمدد جسد ذاك الشاب المشوه الوجه .......و قد تدفق الدم من مواضع شتى من جسده ........ و قد انبعجت ضلوعه المتكسرة الى الداخل بشكل غريب , و برزت اطراف اجزاء متكسرة  منها من جدار صدره.....بينما برزت شظايا من عظامه المتكسره من  جروح قطعيه حول عظام  فخذيه و  ساقيه و ذراعيه ......و بدت جمجمته مشوهه و محطمة و قد انكشفت اجزاء من عظمها  اسفل فروة الرأس التى ارتد جزءا منها على ذاك الجرح الكبير  ........بينما يخرج من فمه المشوه زبد  كثيرا يشبه ذاك المصاحب لحالات الـــــغـــــــــــــــرق  !!!!
كان مشهده يحمل مزيج من بشاعة غير مسبوقه ........ ازداد عدد الملتفين حوله من العاملين فى المستشفى واحدا تلو الاخر .......اخذ احدهم  يقول :
ده شكله واقع من الدور التاسع !!!
رد اخر يعمل بعنابر الاستقبال : شكله رمى نفسه لما عرف ان صحابه ماتوا !!!!!
................ و بينما هذا الجدل دائرا .......... كان هناك شاب منهمك فى كتابة ورقة ما باحدى الغرف قرب مكان تمدد جثة جودة المهشمة .......... و مع اخر حروف استقالتة ........ ترددت فى ذهنة اخر كلمات المجرم مستعطفا و هو يقول له :
حرااااااااااام....... انت ايه ......... ملاك رحمة ازااااااااااى !!!!!
...... تذكر اخر كلمة قالها و هو ينفــــذ  حكمه المناسب على المجرم بالاعـــــدام :
 و انت رحمت الملاك الصغير لما خطفته ....و ما دفعوش , فغرقته .....الملايكة مش  للرحمة بس ............ فيه برضه ملائكة ........و لكن للجحيم !!!!!!  

د. احمد مختار ابودهب
22مارس 2013