بـــــدايــــــة شــــــــــهـــــــيــــــــد
لاحت تلك الطائرة العسكرية فى الافق و على ذيلها و جانبيها علم
مصر لهذه الحقبة من نهاية الستينات ,كانت تسير شامخة فى سماء مصر معانقة سحبها , و مفتخرة بمن تقلهم
من ابناء مصر البررة .
, و ما ان مرت فوق الاهرامات الا و بدأت فى الانخفاض و كانها تهوى مشتاقة
لتقبل ارض الوطن
و بين جنبات الطائرة جلس اولائك الرجال اللذين ترتسم على وجوهم
قسمات تحميل مزيج من الصرامة و الهدوء يرتدون زيهم العسكرى تبعا لاختلاف
اسلحتهم,
, و بين اولائك الرجال كان
ذلك الرائد الشاب ذو الملامح الطيبة .......جلس شاردا ينظر فى لا شىء و
كانت نظرته تنم عن تفكير عميق ,
و هنا سعل زميله اللذى
يجلس بجواره قائلا :
- ايه يا عم عصام , اللى واخد عقلك يتهنى به ,
طبعا بتفكر فى احمد و شقاوته?
لم يرد الرائد عصام الدالى الا بإبتسامة حانية هادئة , حقا لقد
افتقد اسرته و ابنه الصغير احمد و يتمنى لو يراه و يقبله
مر طيف ذكرياته مع اسرته سريعا مع كلمات زميله
غير ان ما كان يشغل باله كان شيئا اخر تماما.
كان يفكر فى مجموعته , المجموعة 39 قتال و كان يرتب افكاره للاستفاده من كل ما تعلمه فى دورته التدريبية
فى روسيا فى عمليات المجموعة اللتى يعمل العدو
الصهيونى لها الف حساب.
"استعدوا للهبوط ايها السادة
- الرجاء ربط الاحزمة "
قطع نداء قائد الطائرة حبل افكاره , فربط حزامه بحركة الية الا
ان ذهنه ظل مشغولا ......يا ترى ما اخبار قائده ابراهيم الرفاعى
و باقى الرجال ...وسام .. وئام و اسلام .....الدكتور عالى
نصر... محى . ..شاكر و سمير .... هل ........؟
و هنا لفت نظره ان الطائرة قد استقرت فعلا على عجلاتها سائرة
على ممر الهبوط, فالقى نظرة سريعة من نافذتها حملت كل شوقه لمصر
و ما ان وقفت الطائرة و فتحت ابوابها الا و تحرك ركابها للنزول
منها فى نسق يدل على طبائعهم المنظمة , و برغم بعد مسافة سلم الطائرة عن مكان
الانتظار
الا انه استطاع ان يميز احد الواقفين هناك ......انه هو
...قائده البطل الرفاعى !!!!!
* * * * * * * * * * * *
وقف المقدم ابراهيم الرفاعى فى هذا الركن من المطار مراقبا وصول
تلك الطائرة التى تقل زميله و صديقه الرائد عصام الدالى
عائدا من
دورته التدريبية القتالية فى روسيا
, لقد اشتاق له كثيرا , فلم يكن عصام بالنسبة له مجرد زميل او ضابطا كفئا
ضمن اسود مجموعته , لكنه اخ حقيقى بالنسبة
له و صديق حميم قلما يوجد مثله فى هذا
الزمان
و ما ان بدأ ركابها فى النزول على سلم الطائرة الا و ميز بينهم
صديقه , تهللت اساريره لرؤيته الا ان ملامحه لم تحمل اى
تغيير عدى تلك الابتسامة البسيطة
طوى كلا منهما الخطوات واسعة تجاه الاخر , و تعانقا فى مودة
تعبر عن محبة و اخوة كلا منهما
بادره الرفاعى قائلا : حمدالله على السلامة يا بطل
فرد عصام ممتننا : الله
يسلمك يا فندم , اخبار حضرتك و اخبار المجموعة ايه
الرفاعى : بخير و الحمد
لله , ان تنصروا الله فلا غالب لهم
ضحك عصام قائلا : طبعا يا فندم , صدق الله العظيم
قطعا سويا الخطوات سريعا الى خارج المطار , و استقلا سويا تلك الجيب العسكرية التى حضر بها المقدم ابراهيم لاستقبال صديقه , و ما ان انطلقا بالسيارة الا و سال عصام :
ما فيش عمليات قريبة يا فندم ؟
ضحك الرفاعى من جملته قائلا : يا اخى انت لسه وصلت , ايه احمد
مش واحشك ؟
رد عصام بصوت يفيض حنانا يفوق ملامحة الطيبة : جدا يا فندم جدا
و لكنه استدرك سريعا و
تغيرت ملامحه الى صرامة مهيبة قائلا : بس حضرتك عارف الواجب يا فندم
ابتسم الرفاعى من حماسته و قال : و انت خير من يقوم بالواجب يا عصام
اكتست ملامحه بالجدية متابعا :
احنا فعلا هنعمل عملية مهمة ........ هننسف سقالة الكرنتينة !!!!
رد عصام بلهفة : اخيرا , الله اكبر ....... امتى ان شاء الله يا
فندم
الرفاعى : غدا ......
ليلة 30 اغسطس.....ساعة 2230
بادرة عصام متلهفا : انا مع حضرتك فى تشكيل العملية دى يا فندم طبعا,
ان شاء الله
ضحك الرفاعى ضحكة قصيرة مستنكرا : عصام .....ده انت لسه ما
نزلتش من العريبة , يا راجل استريح على الاقل يومين و العمليات جاية ان شاء الله
رد عصام و قد تضاعفت لهفته : ارجوك يا فندم , حضرتك عارف اننى
متشوق لعملياتنا و خاصة للعملية دى .
لم يطل نقاشهما كثيرا , لقد كان المقدم ابراهيم الرفاعى يعرف
طباع رجاله جيدا و يعرف ان الرائد عصام الدالى سوف
يستميت للاشتراك فى هذه العملية ......... لذا وافق على طلب
صديقه !!!!!
** ** **
** ** **
** ** **
** ** **
بدأ وحوش المجموعة 39 قتال المكلفين بنسف سقالة الكرنتينة
بارتداء ملابس الغطس المخصص لكلا منهم , و استمروا فى تجهيز اسلحتهم
المختلفة بنشاط استعدادا لتلك العملية
و بين اولائك الرجال وقف ذلك الشاب بينهم بطوله الفارع و نظراته
التى تنم عن استهانة بالمخاطر يكرر تعليماته على الرجال و يرفع معنوياتهم
و هنا سأله أحد الرجال
: قبطان وسام , هو فعلا الرائد عصام الدالى معانا فى العملية دى ؟؟
ابتسم الملازم اول وسام عباس قائلا : لازم تسأل يا يحيى كل مرة !!!!
و اعقب جملته بضحكة قصيرة ابتسم لها باقى المجموعة.
تحرك الرجال فى خفة و نظام كلا الى لنشه , و فوجىء الرجال
بالرائد عصام الدالى قادما مع المقدم ابراهيم الرفاعى
و يرتدى كلا منهم بدلة غطس سوداء تضيف الى مهابة كلا منهما
المزيد
و هنا هتف الرجال بصوت واحد مؤدين تحيتهم العسكرية رافعين
اجسادهم فوق امشاط اقدامهم بقوة : حمد الله على السلامة يا فندم
ابتسم الرائد عصام و تبادل معهم التحية قائلا : الله يسلمكم يا وحوش
فاشار لهم الرفاعى
اشارة ابوية قائلا : مش هتسلموا على البطل
وما ان سمع الرجال كلمة قائدهم الا و انطلقوا يسلمون و يعانقون ذلك البطل....... ذو الملامح
الطيبة
الاصيلة !!!!!
** ** **
** ** **
** ** **
** ** **
اخذ كل رجل موقعه فى اللنش المخصص لمجموعته , و انطلقت خمسة
لنشات من طراز زوديك تقل من تم تكليفه بالعملية من اسود المجموعة 39 قتال, انطلقوا
الى حيث هدفهم
ينوون تدمير مرسى الكرنتينة التى طالما استخدمه العدو فى عملياته العدوانية على القوات المصرية
و فى لنش القيادة اتخذ الرفاعى موقعه و الى جواره القائد الثانى
للمجموعه و صديقه
الطبيب المقاتل عالى نصر و
الذى مال برأسه على اذن الرفاعى قائلا : غريب اصرار عصام على انضمامه للعملية
هز الرفاعى رأسه مؤيدا لكلامه و لم ينطق ببنت شفة
و فى لنش الرائد عصام
الدالى , تولى الملازم اول وسام عباس حافظ عجلة قيادة اللنش , بينما اتخذ المقاتل
يحيى عامر موقعه نافخا صدره و مرابطا كالاسد
بين باقى المقاتلين , مما جعل الرائد عصام
ينظر له نظرة طويلة و عميقة لم يفهم
معناها المباشر الملازم وسام الا انه شعر بمعنى خاص لها.
و فى لانش اخر همس احد الرجال فى اذن زميله : تعتقد مين هيموت مننا النهاردة يا سمير ؟
رد المقاتل سمير نوح قائلا : يا عم قول مين هيتشرف فينا
النهاردة , لكل اجل كتاب فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون
ساعة و لا يستقدمون.
رد مقاتلا اخر: صدق الله العظيم , طبعا يا عم ما انت "التمساح" على رأى سيادة
القائد,و لو ضربونا هتكون اول واحد هيعرف يسلك فى المية
و ابتسم ثلاثتهم على همسة باسمة فى قلب الخطر , بينما تشق
اللنشات المياه عازفة اعظم سيمفونيات البطولة و الفداء
بدأت العملية و عكف كل رجل من الرجال البواسل على اداء دوره بمنتهى البطولة, ما بين استطلاع و تلغيم و تأمين ......... و على الشاطىء حيث نقطة الانطلاق كان ابيهم الروحى العميد مصطفى كمال بنتظر و يوجه المجموعة لاسلكيا كأب حنون قبل ان يكون قائدا متلهفا على سلامة ابناءه و نجاح العملية على حد سواء.
و برغم من تمام عملية التلغيم بنظام ينم عن احتراف و حنكة من قاموا به , الا ان التفجير قد تباطأ لسبب ما , مما استلزم بقاء الرفاعى و رجاله لاتمام العملية ......مهما كان الثمن !!!!
و على الارض رصدت دبابات الغدر اشباح اللابطال الى جوار السقالة الملغومة , و بدأ الاشتباك .......و حمى الوطيس بين اعز الرجال و احط الغزاة!!!!
و بدل من ان تفر اللنشات ....هاجمت الى حيث الدبابات , و فى
مقدمتها لنش البطل ....عصام الدالى الذذى هتف قائلا افتح النار و غطوا ضهر الرفاعى و باقى الرجالة
مهمى كان التمن!
........... نعم فقد كانت كلمته فى محلها....مهما كان
الثمن , و لقد كان الثمن غاليا و نفيسا .
كانت الدبابات الاسرائيلية تقصف اللنشات بطريقية هستيرية توحى
بخوفها من اولائك المردة الابطال اللذين يستقلونها ........كان قادة اللنشات
ينواورون و يقاتلون بمهارة منقطعة النظير فلم
تسطع اى دبابة اصابة ذلك الفارس البحرى الملازم اول اسلام توفيق اللذى استخدم كل
مهارته فى قتاله و منوارته لنيران العدو.
, الا ان استبسال لنش عصام الدالى و قربه من ميناء الخطر نظرا
لرغبته فى البقاء قريبا من الرفاعى و تغطيته
جعله مرمى قريب لدبابات العدو !!!!!
طارت الدانة الغادرة الى حيث مستقر شظاياها , اطاحت برأس المقاتل يحيى عامر و اصابت رأس و رقبة الرائد عصام الدالى اصابات بالغة ....و تدفقت الدماء الذكية مختلطة بامواج البحر و متنائرة على جنبات اللنش , و مزينة صدور الابطال كاروع الاوسمة و اسمى النياشين .........و فاضت اثرها أرواحهما الذكية !!!!!!
..و انطلقت شظايا النار مختلطة بشظايا عظام البطلين مخترقة جسد الملازم وسام
..........كانت جراحه غائرة و مؤلمة و
,لكنه تماسك بمشقة كى يعود باللنش لقد ينقذ زملاءه,....."تماسك يا وسام
..... كل شىء ممكن يا بنى , شوفت انا هربت من الاسرائيليين الاوغاد ازاى !!!"
تردد صوت والده البطل عباس حافظ فى ذهنه ليذكره بواجبه فى عدم الاستسلام لجراحه
القاتلة ....كان الدوار و الالم يعتصره عصرا , الا ان مشهد زميليه جعله
يبذل جهدا خارقا للتماسك حيث رأى بصعوبة سقوط جسدى رفيقيه على ضوء نيران
الانفجارات التى تتابعت معلنة نجاح العملية .
كان اخر ما رأت عينى الشهيد يحى عامر و الشهيد عصام الدالى هو
منظر الرفاعى و هو يقفز فى الماء بزيه الاسود , قفزة مهيبة رشيقة
كأنه احد ابطال ذات
الصوارى او كأحد ابطال العصور الوسطى من فوق قلاع اعداءه, بعد ان تأكد من نجاح عمليته و بعد ان اذل
ناصية اعداءهم , شأنه شأن كل عملية قام بها الرفاعى و مجموعته .
و كان اخر ما مر بقلبه هو ابنه الصغير احمد , و اسرته التى لم
يودعها برغم اشتياقه اليهم .....و لكنه استودعها ربه !!!
اما بصيرة عصام , فلقد رأت الكثيـــــــــــر!!!
رأت اول ما رأت .....اول رفقاءه ....يحى عامر ........و رأت انوارا تنتظره و تعلو به .....ترحابا .....و هنا همست روحه الى روح الرفاعى ......موعدنا هناك ......قريبا بإذن الله
رأت اول ما رأت .....اول رفقاءه ....يحى عامر ........و رأت انوارا تنتظره و تعلو به .....ترحابا .....و هنا همست روحه الى روح الرفاعى ......موعدنا هناك ......قريبا بإذن الله
فلا تتأخر.......... فاليوم بدايتى .............. بداية شهيد
على درب الكفاح......., و غدا بداية شهيدا اخر
فى سبيل مصر كنانة الله .............و فـــــــــــــــــى ســـــبـــــيل الله
د. احمد مختار حامد ابودهب
مــــــــايو 2012
رابط القصة على موقع المجموعة 73 مؤرخين - ادبيات الحــرب ,
رابط القصة على موقع المجموعة 73 مؤرخين - ادبيات الحــرب ,
No comments:
Post a Comment